مع تزايد أعداد كبار السن، أصبح الحديث الآن عن تمكين المسنين القادرين على العطاء من الاستمرار في العمل إذا رغبوا في ذلك، وتمكينهم رقميا، بتدريبهم على استخدام التكنولوجيا الحديثة، التي اكتشف الأطباء أنها تحسن القدرات الإدراكية والذهنية لدى كبار السن..

العالم يمرُّ بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متعاقبة، وهو ما ينعكس سلبا على الأوضاع المعيشية لمعظم فئات المجتمع خصوصا الضعيفة منها؛ كالمعوقين والأطفال وكبار السن، الأمر الذي دعا الأمم المُتَّحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي لوضع ميثاق دولي وقعت عليه معظم دول العالم الأعضاء في المنظمة، يلتزمون فيه بحماية هذه الفئات، والأسبوع الفائت انعقد مجلس حقوق الإنسان في مقر المنظمة بجنيف لبحث أوضاع كبار السن، ومناقشة تقارير الخبراء المستقلين عن الحقوق والخدمات التي تقدم لهذه الفئة في دول العالم.
وجاء تقرير الخبيرة الأممية المستقلة ليشيد بحالة كبار السن في سلطنة عُمان، وأنهم يتمتعون بكافة الحقوق والخدمات، كما أكدت مندوبة سلطنة عُمان في كلمتها أمام المجلس، أن كبار السن يحظون بمكانة اجتماعية رفيعة، باعتبارهم جزءا مهما من الأسرة والبيئة الاجتماعية والثقافية والدينية الأصيلة، وأن نموذج الرعاية الأسرية هو الغالب في المجتمع العُماني في إطار ترابط الأجيال، والاعتراف بالجميل وقيم بر الوالدين المتجذرة في الثقافة العربية الإسلامية، وأشارت لجهود حكومة السلطنة، في توفير الدعم اللازم لإيواء حالات المسنين الذين ليس لهم أقارب في دور الرعاية الاجتماعية، وتقديم الخدمات الرعائية والاجتماعية والصحية والنفسية والترفيهية لهم، فضلا عن الضمان الاجتماعي، وإطلاق وزارة التنمية الاجتماعية برنامج جلساء المسنين، لكيلا يعزلوا في دور المسنين، بالإضافة إلى برامج للرعاية المنزلية للمسنين بالتعاون مع وزارة الصحة والجمعية العُمانية لأصدقاء المسنين، وأكدت السلطنة استعدادها للتعاون مع مجلس حقوق الإنسان من أجل تدريب القائمين على رعاية المسنين تدريبا علميا ومهنيا يمكنهم من حصول المسنين على كامل حقوقهم من خدمات الرعاية في أحسن الظروف.
وبعيدا عن مواثيق الأمم المُتَّحدة وتقارير مجلس حقوق الإنسان، لا خوف على كبار السن في عُمان، فمكانتهم محفوظة بين أفراد المجتمع، ويتصدرون المشهد في الأسرة العُمانية الممتدة، التي توقر الكبير وتأخذ برأيه ومشورته، ولا تتخذ القرارات المصيرية في الأسرة العُمانية من شراكة أو مصاهرة وزواج أو طلاق، إلا بعد موافقة الكبير ومشورته، وما زال كثير من الأسر العُمانية يضمها منزل واحد، يجمع الجد والابن والحفيد، في نظام اجتماعي متين قائم على المودة والرحمة والاحترام المتبادل، تظله الأخلاق والقيم المستمدة من ديننا الحنيف.
بينما هناك تباين كبير في أوضاع كبار السن في دول العالم، بل في الدولة الواحدة، فنجد أناسا تعدوا الثمانين ويتمتعون بصحة وحالة مزاجية جيدة، وبجوارهم أناس لم يبلغوا الستين، وقد تمكنت منهم الأمراض واستبد بهم الاكتئاب واليأس.
ومع تحسن الرعاية الصحية ازداد العمر الافتراضي للإنسان، وحافظ كثير من المسنين على لياقتهم البدنية والذهنية، وأصبح كثير منهم قادرا على العمل لسن السبعين والثمانين، الأمر الذي أوجد صراعا في بعض الدول الصناعية على فرص العمل، وظهرت جماعات متطرفة تستهدف المسنين، وتطالب بجلوسهم في البيت وإفساح المجال للأجيال الجديدة، وفي بعض الدول التي اختل بها التوازن السكاني، وزاد عدد المسنين عن الشباب، اضطرت الحكومة لتخفيض المزايا التقاعدية، بعد تذمر الأقل سنا، الذين أبدوا تخوفهم من إفلاس صناديق التقاعد، وعدم قدرتها على الوفاء بحقوقهم عند وصولهم لسن المعاش، التي رفعته بعض الدول للسبعين.
مع تزايد أعداد كبار السن، أصبح الحديث الآن عن تمكين المسنين القادرين على العطاء من الاستمرار في العمل إذا رغبوا في ذلك، وتمكينهم رقميا، بتدريبهم على استخدام التكنولوجيا الحديثة، التي اكتشف الأطباء أنها تحسن القدرات الإدراكية والذهنية لدى كبار السن، وتمكنهم من الاندماج في المجتمع الذي أصبح في مجمله رقميا، ولكن تظل الحالة النفسية المستقرة والرضا بما قسمه الله، والتفاف الأهل والأصدقاء، هي الضمانة الحقيقية لشيخوخة آمنة.

محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري