«.. ويسلط الراوي الضوء على رفض العراق المساومة على موقفه القومي من قضية فلسطين برفضه عرضا صهيونيا بالتخلِّي عن دعم شعب فلسطين، والانخراط بالتسوية السلمية مقابل وعد صهيوني برفع الحصار عن العراق..»

لم يكن كتابا يسرد مؤلفه تفاصيل وأحداثا يسلط الضوء عليها، وإنما كان بحق وثيقة تاريخية تحكي قصة شعب تعرض لأبشع حصار في التاريخ في محاولة لتجويعه وتركيعه للنيل من صموده وبسالته.
وكتاب “درء المجاعة عن العراق” احتوى على وثائق ومواقف وأحداث دوَّنها مؤلفه الدكتور محمد مهدي صالح وزير التجارة العراقي الأسبق الذي أشهره في عمَّان أمام حشد من نخب عراقية وعربية قبل أيام.
وسلط الراوي عبر 16 فصلا من كتابه الضوء على محطات مضيئة من معركة الحياة بين من سعى لتدمير العراق وتجويع شعبه عبر الحصار، وبين شعب أبي وقيادة حكيمة واجهت مشروع التدمير وانتصرت على صفحاته الشريرة.
وتنبع أهمية الكتاب من كون مؤلفه قد عاش سنوات الحصار العجاف، وكانت مهمته كبيرة في صدِّ رياح التجويع عبر تأمين الغذاء للعراقيين، ودرء المجاعة عنهم عبر البطاقة التموينية التي حفلت بفقرات غذائية تكفي لسدِّ رمقهم، وكانت بمثابة حائط صدٍّ في مواجهة صفحات الحصار الذي دام 13 عاما.
ويكشف الراوي في معرض سرده لمسلسل حصار العراق عن الإجراءات التي اتخذتها وزارة التجارة في مواجهة الحصار، وخصوصا في السنوات السبع الأولى قبل تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء في نهاية عام 1996 والاستعدادات التي اتخذتها القياد العراقية منذ عام 1997 ولغاية احتلال العراق لمنع انقطاع الغذاء أثناء فترة تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء.
وخصص المؤلف فصلا عن اعتقاله لدى القوات الأميركية لعدَّة سنوات واعتراف أحد الجنرالات بأنهم كانوا يتوقعون أن يتسبب الحصار في هلاك العراقيين بعد ستة أشهر، وأنهم فوجئوا بصمودهم وقدرتهم على المطاولة طيلة 13 عاما من فرض الحصار، وكيفية نجاحه في مواجهة محدداته، وقدرة العراق على تفادي قرارات الحصار.
وشبَّه المؤلف موقف الأردن في دعم العراق في مواجهة الحصار بأنه كان رئة العراق وحامل قنينة الأوكسجين؛ لكي تستمر الحياة وهي وقفة تاريخية تُسجَّل للأردن وقيادته. ويكشف الراوي عن طلب رئيس الوزراء السوري الأسبق مصطفى ميري الذي زار العراق قبل الاحتلال من الرئيس الراحل صدام حسين أن يتعامل العراق مع سوريا مثل تعامله مع الأردن، فكان رد صدام أن الأردن حالة خاصة.
ويسلط الراوي الضوء على رفض العراق المساومة على موقفه القومي من قضية فلسطين برفضه عرضا صهيونيا بالتخلِّي عن دعم شعب فلسطين، والانخراط بالتسوية السلمية مقابل وعد صهيوني برفع الحصار عن العراق والاعتراف بالرئيس صدام حسين زعيما عربيا لكل الأمة. ويوضح الراوي كان رد صدام (ضاع العراق). ويستذكر المؤلف موقف صدام عندما حضر دعوة عشاء أقامها له الراحل الملك حسين في عمَّان، وعندما شاهد أنوار القدس انهمر الدمع من عينيه في لحظة عكست موقفه القومي الذي لا يتزعزع من نصرة شعب فلسطين وتحرير القدس من دنس محتليها.
ويخلص مؤلف كتاب (درء المجاعة عن العراق) إلى القول: إن حصار العراق وتجويع شعبه كان مقدمة وصفحة من صفحات غزوه واحتلاله، وما يعزز هذا الانطباع أن إدارة بوش الابن وحليفه توني بلير كانا قلقين وغير مرتاحين إلى حد المفاجأة من صمود العراق إلى حد إفشال صفحة الحصار في أيامه الأخيرة، ما دفعهم إلى حشد الرأي العام ضد العراق، وإيجاد المبررات لاحتلاله عبر حملة تحريضية لتعبئة العالم ضد العراق بحجة تهديده للأمن والسلم الدوليين بامتلاكه أسلحة دمار شامل أثبتت الوقائع بعد احتلال العراق بطلان وكذب هذه المزاعم.


أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]