وجود هذه القوانين يؤكد حرص الحكومة ـ ممثلة في مؤسساتها المعنية ـ على مراعاة مِثل هذه الجوانب الأخلاقية عند التعامل مع مثل هذه القضايا، على أنها وفي ذات الوقت لا يمكن أن تقبل تعريض السكان لأي خطر..

منظر انتشار الكلاب الضالة بين الأحياء السكنية ونومها على الأرصفة و(الدوارات)، يضاف إلى ذلك انتشارها بشكل كبير وواضح في الشوارع الداخلية التي تقطع المدن والأحياء التجارية وغيرها من الأماكن الآهلة بالسكان، أصبح من المناظر المألوفة واليومية؛ كما باتت تطارد المارة على الدراجات الهوائية والنارية والمركبات والرياضيين، والأخطر أنها هاجمت العديد من الأطفال وحتى النساء، ولدى الجهات ذات الاختصاص أمثلة وحالات واقعية حول ذلك منها عقر أطفال، ولا يجب التغاضي عن النباح المزعج في الليل وما يتسبب به من الإزعاج وإقلاق الراحة العامة للسكان خصوصا الأطفال منهم.
تدخُّل الجهات المعنية من جديد لإيقاف هذا الانتشار لم يعد مسألة اختيار أو دراسة أو تفكير، فالأمر وصل إلى حد الواجب القانوني والضرورة الأمنية للتصرف بأي شكل من الأشكال، وإلا فإن مع الوقت سنصطدم بواقع سنلوم عليه أنفسنا وسنندم على التأخير والتسويف وعدم التحرك من الآن، وسيأتي اليوم الذي تهاجم فيه هذه الكلاب المنازل والمارَّة بشكل مباشر بهدف القتل، خصوصا الأطفال والنساء، حينها ستنتشر التغريدات والكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل ووسائط الإعلام لتحمِّل الجهات المعنية مسؤولية التأخير أو عدم التحرك للحدِّ من هذه المشكلة الأمنية الخطيرة، أو كما يقال إن التحرك لا يكون إلا في حالة الطوارئ؛ فهل ننتظر ذلك؟
في الجانب الآخر من هذا الموضوع، توجد إشكالية تدخُّل وضغط جهات حقوقية ومنظمات دولية تحت شعارات حقوق أو الرفق بالحيوان، وهو جانب محرج، ويُشكِّل نوعا من القلق المقبول للجهات المعنية في مقابل ضغط الشارع والأضرار التي تتسبب بها هذه الكلاب، ولكن لا أتصور أن المحافظة على الحيوانات الخطرة في حال تأكد ذلك مقدَّم على المحافظة على الإنسان، كما أن حفظ الروح البشرية وسلامتها وأمنها مقدَّم على أي ضرورات وواجبات أخلاقية أخرى للأفراد أو الدول.
قد يقول قائل: إن الدولة يجب أن تجد بدائل غير القتل الجماعي لتلك الكلاب. وبمعنى آخر، أن تجد حلولا توازن فيها بين الواجب الملزم والحتمي للمحافظة على أمن السكان وسلامة أرواحهم والواجب الأخلاقي للرفق بمِثل هذه الحيوانات، وأقول: نعم بأن هذا التوجُّه طيب إن كانت الدولة تملك مثل هذه الحلول أو الإمكانات، وإلا فإن الضرورة تقتضي التوازن في الحدِّ من انتشار هذه الحيوانات بالوسائل القانونية والإمكانات المتوافرة لدى الدولة.
مع احترامي لأي جهة حقوقية ومنظمات راعية لمثل هذه الحقوق، فتلك الجهات لن تستطيع تحمل مسؤولية الأرواح والخسائر البشرية التي يمكن أن تنتج عن مخاطر مهاجمة هذه الكلاب للمارة ومحاولة التعدي عليهم، أو حتى التشويه وبتر الأعضاء، خصوصا عندما يقع ذلك نتيجة عقر تلك الكلاب للأطفال، كما أن الدولة حينها لن تتمكن من إخلاء مسؤوليتها عن ذلك الحادث.
طرحت في الآونة الأخيرة حلول ممكنة للحدِّ من هذه الظاهرة، ولكن مِثل هذه الحلول تحتاج إلى إمكانات وعمل لفترات طويلة، مثل تخدير هذه الكلاب ووضعها في أماكن مخصصة بهدف تصديرها للدول التي تأكلها، أو بهدف تدريب البعض منها، أو غير ذلك.
في سلطنة عُمان لدينا قوانين حديثة وعديدة تؤكد حرص الدولة على التعامل الأخلاقي مع كل أشكال الحيوانات بلا استثناء في غير حالات الضرر والضرورة، وقبل هذه القوانين لدينا الوازع الديني وأخلاق الإسلام والشريعة الإسلامية، وما تؤكد عليه حول هذا الجانب، وما أكثر الأحاديث النبوية حول وجوب الإحسان والرفق بالحيوان، كما أكدت القوانين الوطنية هذا الحرص والرعاية الأخلاقية مِثل قانون الرفق بالحيوان رقم 21 لسنة 2020 يضاف إلى ذلك قانون الجزاء العُماني رقم 7 لسنة 2018 في المواد (294 الفقرة د، والمادة 375، والمادة 376، والمادة 377) وغيرها من القوانين.
وجود هذه القوانين يؤكد حرص الحكومة ـ ممثلة في مؤسساتها المعنية ـ على مراعاة مِثل هذه الجوانب الأخلاقية عند التعامل مع مثل هذه القضايا، على أنها وفي ذات الوقت لا يمكن أن تقبل تعريض السكان لأي خطر نتيجة استفحال انتشار هذه الكلاب في الأماكن العامة والخاصة.
على ضوء ذلك أصبح من الضرورة الأمنية والقانونية ضرورة التدخل المباشر والعاجل للحدِّ من انتشار الكلاب الضالة في الأماكن سالفة الذكر في المقال، وفي مختلف قرى ومحافظات سلطنة عُمان بأي وسيلة تراها الجهات المعنية مناسبة، فالدولة من واجبها كما نصَّ على ذلك النظام الأساسي للدولة في المبادئ الأمنية المادة(17) “كفالة الأمن والطمأنينة للمواطنين”، كذلك نص المادة (22) والتي أكدت أن “الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أراضيها” مع التأكيد على أن الدولة ـ ممثلة في الجهات ذات الاختصاص ـ حريصة كل الحرص، وبذلت جهدها لتحقيق ذلك في هذا الجانب مشكورة خلال السنوات الماضية، وكل الأمنيات أن يتم إعادة النظر والتدخل المباشر من جديد وبشكل عاجل للحدِّ ومعالجة هذه القضية.


محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @