ناصر بن سالم اليحمدي
العلاقات الوطيدة التي تجمع بين سلطنة عُمان وشقيقتها جمهورية مصر العربية ترسم ملامحها صفحات التاريخ التي تعج بالكثير من المواقف والشواهد على جميع المستويات وفي كل المجالات والتي تؤكد أن الرابط بين الدولتين الشقيقتين وشائج أكثر قوة من المصالح المتبادلة، بل أقوى من الأخوة ذاتها.
وها هو التاريخ يكتب صفحة جديدة مشرقة من صفحات العلاقة الراسخة بين البلدين الشقيقين والتي تبدأ حروفها الأولى بزيارة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لسلطنة عمان ولقائه بأخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ليخطا معا دعائم جديدة توطد عرى العلاقة أكثر وأكثر، ويفتحان أفقا رحبا لكلا الشعبين ينعمان فيه بالرخاء والازدهار والتقدم عن طريق تعزيز أوْجُه التعاون في العديد من المجالات المهمة إلى جانب توحيد الرؤى حول القضايا التي تعج بها الساحات العربية والإقليمية والدولية.
لقد كانت العلاقات العُمانية المصرية دائما وأبدا مضربا للروابط الإيجابية المثمرة التي وضعت فيها مصلحة الشعبين فوق كل اعتبار مهما كانت العواصف السياسية التي تواجهها.. ولو نظرنا للأزمات التي مرَّت بها مصر ومواقف سلطنة عُمان تجاهها سنجد أنها كانت داعمة دائما بما يحقق طموح الشعب المصري ويحقق له الاستقرار والاستقلالية في القرار.. فلم تفرض السلطنة كغيرها رأيا مخالفا للسياسة المصرية، بل انتهجت سياستها الحكيمة التي تؤكد أنه لا يحق لأحد أن يتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة أخرى، وأن كل شعب يتصرف مثلما تقتضيه مصلحته التي يرتئيها هو وليس أي طرف خارجي، فهذا خيار وطني في المقام الأول.. مثال على ذلك موقف سلطنة عُمان من توقيع اتفاقية كامب ديفيد وثورتي يناير ويونيو وغيرها من المواقف التي اتخذت فيها السلطنة الحياد الإيجابي الذي يثبت صوابه يوما بعد يوم.. أما في المواقف الحاسمة فنرى موقف سلطنة عُمان الرائع الداعم لشقيقتها إبان الحملة الفرنسية والعدوان الثلاثي، وغير ذلك الكثير من المواقف التي وقفت فيها السلطنة في وجه المعتدي ودافعت عن شقيقتها بكافة السبل، وهو ما يؤكد قوة الوشائج التي تجمع بين البلدين الشقيقين.
لا شك أن الزيارة الكريمة لفخامة الرئيس المصري لها أكثر من مردود ومغزى، لا سيما أنها تأتي في وقت حرج تعصف فيها الساحة الدولية والإقليمية بالكثير من التحديات التي تتطلب وضوح الرؤية وتوحدها بعد أن شهدت الكثير من التحوُّلات التي تدعو إلى ضرورة دعم السلام والاستقرار حتى تتجاوز الأزمات بأقل الخسائر.. وبالتالي فإن قيام القيادتين الحكيمتين بالتشاور والتباحث وتوحيد الرأي والرؤية حول مختلف القضايا يؤكد حرصهما لتحقيق الأمن والأمان للشعبين الشقيقين، بل الأمة بأكملها والعالم أجمع.. هذا إلى جانب تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري واللوجيستي والثقافي والاجتماعي والتعليمي والإعلامي وكافة الجوانب الحياتية والتي تزيد من متانة العلاقات التي تجمع بين الأشقاء وتحقق طموحهم وتعود بالخير عليهم جميعا.
إن العلاقات العُمانية المصرية تعد نموذجا للتكامل الذي ينشده كل عربي، فالشراكات الحالية والمستقبلية في مختلف المجالات الاستثمارية التي تجمع بين الدولتين تجسد الحلم الذي يتمنى كل مواطن عربي أن يراه بين دول الأمة جميعها.. فالتكامل العربي أصبح ضرورة ملحَّة، خصوصا أن كل دولة عربية تقريبا أصبحت تمتلك رؤية مستقبلية تحاول تنفيذها على مدار الأعوام القليلة المقبلة لتحقيق النهضة والتقدم، وبالتالي فإن هذا التكامل العربي سيسهم في تسريع تنفيذ هذه الرؤى الطموحة إلى جانب دوره في تعزيز العلاقات بين الشعوب وتقريب الرؤى تجاه القضايا المختلفة.. مثال على ذلك، رؤية "عُمان 2040" ورؤية "مصر 2030" اللتان يجمعهما الكثير من الأهداف التي تسعى لتحقيق الاستقرار والرخاء والتنمية على كافة المستويات.
لا يخفى على أحد ثقل مصر السياسي والاقتصادي على المستوى العربي والإقليمي وما تمتلكه من خبرة ومهارة في الكثير من المجالات والتي لو استفادت منها سلطنة عُمان لحققت قفزات تنموية عظيمة في مسيرة النهضة المتجددة.. ونحن نثق بفكر مولانا حضرة صاحب الجلالة ـ أبقاه الله ـ ثقة عمياء، ونعرف أن لقاءه بأخيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يكن ليمر مرور الكرام، بل بتحقيق المزيد من الترابط والتعزيز للعلاقات الثنائية الأخوية القائمة بين البلدين.
أما على المستوى المصري فإن القيادة المصرية تدرك جيدا الثقل العُماني على الساحة العربية والإقليمية والعقلية الراجحة التي يتمتع بها مولانا المفدَّى ودوره في تحقيق الاستقرار والسلام بالمنطقة وقدرته الدبلوماسية الحكيمة على حل النزاعات وتهدئة الخلاقات بعيدا عن الصدامات إلى جانب العلاقات الطيبة التي تجمع سلطنة عُمان بكل الدول الشقيقة والصديقة القريبة والبعيدة، وبالتالي فإن توحيد الرؤى وتقوية العلاقات مع السلطنة سيفيد مصر كما يفيد عُمان على حد سواء.
إن العلاقات المصرية العُمانية التي تمتد جذورها حتى تصل إلى أكثر من 3500 عام إبان عصر الأسر الفرعونية المختلفة التي كانت تعشق اللبان الظفاري يفخر بها كلا الشعبين؛ لأنها قائمة على المحبة والتعاون والترابط وتتسم بالمتانة والاستقرار والاحترام المتبادل.. فمصر رمانة ميزان الأمة العربية وسلطنة عُمان منارة الفرقاء ووسيط الخير والسلام والداعم الحقيقي للأشقاء.. وتأتي الزيارات الكريمة لتدفع بهذه العلاقات إلى الأمام في طريق التعاون والتكامل والاستمرار.. دليل على ذلك زيارة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطنة عام 2018م تم خلالها التوقيع على العديد من مذكرات التفاهم وبرامج التعاون الثنائية في كافة المجالات التي فتحت آفاقا جديدة أمام البلدين والتي ما زالت تؤتي ثمارها حتى الآن.
إن كل عُماني يقدر الزيارة الكريمة التي قام بها فخامة الرئيس المصري لبلده الثاني عُمان ويدعو الله أن تستمر مسيرة التفاهم والتعاون بين البلدين وتنطلق نحو مساحات أوسع من التعاون الأخوي الذي يحقق تطلعات الشعبين الشقيقين في النهضة والتنمية، وتوطيد أواصر الأخوة والمَحبَّة بينهما إلى جانب ترسيخ قِيَم السلام والتسامح في المنطقة والعالم أجمع.