كنا على موعد في هذا اليوم أن نبين للقارئ العزيز تحليلا آخر ضمن قراءتنا لأحكام قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، إلا أننا آثرنا الحديث عن مفهوم "مبدأ العلم بالقانون" أو يطلق البعض عليه "مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون" لأهميته باعتبار الكثير من المتقاضين يخسرون دعواهم بسبب عدم علمهم بالاجراءات الصحيحة للتقاضي، شكلا وموضوعا، مع العلم أن لديهم من المستندات والتقارير التي تضمن استرداد حقوقهم، فما مفهوم هذا المبدأ، وما هو المقصود بالعلم اللازم للقانون، هذه التساؤلات وغيرها نجيب عليها في هذه المقالة.
فمبدأ العلم بالقانون من المبادئ الدستورية العامة ويعني "افتراض علم المواطن بالقانون، ومن ثم لا يحق له الاحتجاج أمام السلطات المختصة بأنه لم يعلم بصدور مثل هذا القانون أو هذا النص القانوني، أو تلك القاعدة القانونية..." وعلى هذا كيف هذا المبدأ بأنه من المبادئ العامة تأسيسا على أن جانبا كبيرا من أحكام الدستور "النظام الأساسي" الناقد يتناول حقوق وحريات وواجبات المواطن وبالتالي فان مبدأ العلم بالقانون من جملة الواجبات التي يتوجب على المواطن تحملها. "لمزيد من الايضاح يمكن للقارئ الرجوع الى الباب الثاني من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101/96). فالسلطة العامة "وزارة الشؤون القانونية. تنشر القوانين الصادرة من السلطة التشريعية في الجريدة الرسمية، وطالما تم هذا النشر فانه يكون لزاما على المواطن أن يعلم بهذا القانون بل يفترض أنه علم به ولو لم يطلع عليه فعلا... وعلى هذا يثور التساؤل - وان كان نادر الحدوث - هل يملك القضاء تطبيق أحكام قانون ما على مواطن في حالة عدم نشر هذا القانون بحجة سريته أو أنه يتناول شؤونا خاصة بمرفق أمني على سبيل المثال؟ في هذه الحالة لا يملك القضاء تطبيق ما ورد في هذا القانون من أحكام على ذلك المواطن بسبب عدم علم هذا الأخير بذلك القانون- وكذا هو الحال في حالة دفع المواطن أو اتهم بأنه يخضع لقانون لم ينشر أصلا لسبب أو لآخر... مجمل القول إن مبدأ العلم بالقانون أكدته جميع الدساتير وطبقه القضاء ولم يتحفظ عليه الفقه القانوني.
أما فيما يتعلق المقصود بالعلم اللازم بالقانون فيجدر بنا أولا أن نفرق بين ما هي قواعد قانونية تكليفية وأخرى وضعية، فالحكم الوضعي - وكما هو معروف فهو "وضع أو جعل" من التنازع لا يتوقف على ادراك المخاطب ومن ثم فهو يتعلق بالفعل بمجرد صدوره تعلقا تلقائيا وبالتالي فإنه لا يجوز الاعتذار بجهل القانون في الأحكام الوضعية، ويختلف الحال في الأحكام التكليفية حيث أن الحكم التكليفي يستلزم ادراك المطلوب من تحقيقه المطلوب ادراكا يفترض علمه بالحقيقة المذكورة، مثال تحريم التعاقد على شيء مناف للآداب أو غير مشروع أحكام تكليفية يفترض أعمالها على المكلفين بحقيقة ما تتضمنه من تكليف، وعلى هذا يجوز الاحتجاج بجهلها لكل من لم يكن باستطاعته العلم بها. صفوة القول في الشأن إن واجبات المواطنة الصالحة تتطلب اطلاع المواطن على القوانين الصادرة في وطنه لا من أجل فقط أن تتبلور لديه ثقافة قانونية وانما كذلك لغرض أن يعرف ويعلم بالتنظيم التشريعي فيهمه أمرها أو لها علاقة به سواء بطريق مباشر أو غير مباشر وهو مطالب بالعلم بكافة القوانين الصادرة في بلاده وبالتالي يكون غير قادر على الدفع بعدم علمه بالقانون حتى ولو كان يجهله فعلا، قراءتنا القادمة مع موضوع آخر ضمن زاوية "القانون والناس"

سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
[email protected]