يُشكِّل تصعيد دولة الاحتلال الإسرائيلي لعدوانها المُمنهج، ضد الشَّعب الفلسطيني الأعزل ومقدَّساته في الفترة الأخيرة، مفترق طُرُق للقضيَّة الفلسطينيَّة، وقدرة الشَّعب الفلسطيني على مواصلة الرِّهان على الحلِّ السياسي، القائم على الشرعيَّة الدوليَّة، خصوصًا مع حالة التجاهل الدولي، والتهرُّب من العمل الجادِّ على تسوية الصراع بذرائع مختلفة، ما يفتحُ الطريق لتفاقم الأوضاع، خصوصًا مع استمرار الأعمال الوحشيَّة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حقِّ الفلسطينيِّين والمسجد الأقصى، وتواصل الاقتحامات التي تقوم بها قوات القمع الإسرائيليَّة، والتي تُمهِّد لاقتحامات عصابات المستوطنين الجماعيَّة وتدنيس المسجد الأقصى بشكْلٍ مُمنهج يوضِّح ـ بصورة لا تَقبَل الشَّك ـ نيَّة دولة الاحتلال الإسرائيلي استغلال الصَّمت الدولي؛ لدفْع الأحداث نَحْوَ التصعيد، غير عابئة بما تُمثِّله تلك الخطوات التصعيديَّة من توتُّر يدفع المنطقة نَحْوَ ما لا يُحمد عُقباه، ويزيد من حالة الاحتقان الفلسطيني، ويدفع الصراع إلى خيارات أخرى لَنْ تتحملها المنطقة والعالم.
إنَّ العالم ـ مُمثلًا في هيئاته الدوليَّة والدُّوَل والكيانات أصحاب القدرة والقرار ـ مطالب بتجاوز حالة الشَّلل طويل الأمَد المُتعلِّق بقضيَّة فلسطين، والاستماع لصوت العقل والضَّغط على دولة الاحتلال، والعمل بدُونِ تأخير على دفْع هذه الدولة المتغطرسة نَحْوَ الالتزام بالقرارات الدوليَّة، وقرارات الأُمم المُتَّحدة كافَّة المُتعلِّقة بهذا الخصوص، والسَّعي بشكْلٍ جدِّيٍّ نَحْوَ وقف استفزاز دولة الاحتلال الإسرائيلي المُتكرر، الذي سيؤدِّي بشكْلٍ خطير إلى تأجيج الأوضاع المُتقلِّبة. فالعالم اليوم في أشدِّ الحاجة لاتِّخاذ إجراءات مسؤولة وعاجلة لوضْع حدٍّ للسياسات والممارسات الإسرائيليَّة غير القانونيَّة، وحماية الأرواح البَشَريَّة الفلسطينيَّة، وإلَّا فإنَّ تلك الدولة القائمة بالاحتلال ستُواصل جرائمها ضد الشَّعب الفلسطيني ومقدَّساته دُونَ أيِّ اعتبار للعواقب، وسيفقد أبناء فلسطين الأمل في إقامة سلام عادل وشامل يستند إلى قرارات الشرعيَّة الدوليَّة، ويجبر دولة الاحتلال على الانصياع.
إنَّ الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشَّعب الفلسطيني، ومخططاتها غير القانونيَّة لتغيير التركيبة السكَّانيَّة والطبيعة والوضع في القدس المحتلَّة، بما في ذلك المسجد الأقصى والحرم الشريف، موثَّقة بشكْلٍ جيِّد ولا يمكن دحضها، وعلى العالم الاستماع للمطالب الفلسطينيَّة، التي جاءت في ثلاث رسائل متطابقة إلى كُلٍّ من الأمين العامِّ للأُمم المُتَّحدة، ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر (المملكة المتحدة)، ورئيس الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة، بشأن جرائم "إسرائيل"، القوَّة القائمة بالاحتلال، ضد الشَّعب الفلسطيني، والتي طالبت المجتمع الدولي، ولا سِيَّما مجلس الأمن والأطراف السَّامية المُتعاقدة على اتفاقيَّة جنيف الرابعة، بالوفاء بواجباتهم واستخدام جميع الوسائل والتدابير التي يُتيحها القانون الدولي لمحاسبة "إسرائيل"، السُّلطة القائمة بالاحتلال، والعمل بشتَّى الطُّرق على حماية السكَّان المَدنيِّين الفلسطينيِّين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، بما في ذلك إرسال قوَّة حماية دوليَّة لضمان سلامة السكَّان المَدنيِّين وضمان وصول المساعدات الإنسانيَّة، وكذلك إلى احترام الوضع التاريخي والقانوني القائم للمسجد الأقصى والحرم الشريف، واحترام سُلطة الوقف الإسلامي ووصاية المملكة الأردنيَّة الهاشميَّة.
فالوقت قد حان لوضْع حدٍّ للإفلات الإجرامي من العقاب، وعلى العالم وهيئاته إنهاء الصَّمت، والوقوف بحَزْم ضد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي تُرتكب ضد الشَّعب الفلسطيني، وتمكين أبناء فلسطين من العيش بحُريَّة وسلام وأمن وكرامة في وطنهم، والاستماع إلى دعوة أنطونيو جوتيريش الأمين العامِّ للأُمم المُتَّحدة، التي تطالب بإعادة الأمل للشَّعب الفلسطيني، عَبْرَ مشاركة المُجتمع الدولي لاستئناف عمليَّة السلام دعمًا لحلِّ الدولتَيْنِ، وحفظ الوضع الراهن للأماكن المقدَّسة في القدس المحتلَّة واحترامه، وإلَّا فإن "إسرائيل" ستواصل جرائمها دُونَ أيِّ اعتبار للعواقب، كما هو واضح من اعتداءاتها المُتكررة على المسجد الأقصى والحرم الشريف والمُصلِّين الفلسطينيِّين، واستئنافها لغاراتها الجويَّة على قطاع غزَّة المُحاصَر، ما يُعرِّض أرواح المَدنيِّين للخطر ويُسبِّب دمارًا هائلًا، فهَلْ يملك العالم القدرة على تحقيق العدالة المفقودة منذ عقود وإجبار "إسرائيل" على المُضي في طريق السلام العادل الذي ترفضه قولًا وفعلًا.