محمود عدلي الشريف:
أيها الصائمون.. لقد توقف بنا قطار رحلتنا (استثمر صومك) في هذا الشهر المبارك في محطته الثالثة والتي عنوانها:(لا تغتر فتضر). وهذا النهي ـ إخوة الإيمان والإسلام ـ قد لا ينطبق على الكثير منا،لأن المؤمن يضع نصب عينيه أنه في معية ربه وأنه تعالى مطلع عليه، ولهذا فهو في خوف دائم من ربه، تراه في طريقه مستقيمًا، وفي كلامه منصفًا، وفي قسمته عادلًا، وفي مشيته متواضعًا، لا تأخذه الخيلاء ولا تخطفه المخيلة، فهو يسمو بنفسه عن المختال الذي يتخيل نفسه في صورة من هو أعظم منه كبرًا،نعم المؤمن لا تأخذ بلبه زخارف الدنيا ولا تشغله ملذاتها، لطيف في خلقه، صدوق في معاملته، سمح في لقائه، خلوق في حديثه.
ومن هنا وعلى العموم فالمؤمن في جمّ أحواله قدوة حسنة لغيره، مقتديًا في ذلك بسيد الخلق وحبيب الحق المصطفي محمد (صلوات ربي وسلامه عليه)، وملازمًا ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، مدعمًا استقامته بصلاح السلف الصالح الذين صلحت عقيدتهم واستقامت طريقتهم فكانت شيمتهم التواضع وتسامحوا في معاملاتهم.
ولهذا فإن المؤمن على الناس لا يأخذه الكبر فيتكبر ولا ينحو به الغرور فيغتر، ولا تعوج استقامته بهوى ولا عجب، وللأسف نجد على النقيضمن الناس من قد يجد الشيطان لنزغه في قلوبهم استجابة، ولا يجدون في أنفسهم مناتباعه مخافة أو مهابة،وتلقى وسوسته في بعض الآذان استماعًا،فيكون للنفس والهوى والشيطان اجتماعًا، فبما أعطاه الله يغتر، وعلى خلق الله يتكبر، ويأخذ العجب فيتلك النفوس مكانًا، ويصنع لنفسه بإقناعهم حجة وسلطانًا، ويمكنلذاته في السلوك رواجًا، وبعد الاستقامة تجد سيره بطرًا واعوجاجًا، فتجده ينطق عن صاحبه بكل غروروكبرياء، ويسير به في عنفوان وخيلاء،فـ(عَنْ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: لَقِيَتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهما - فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّا بَنُو الْمُغِيرَةِ قَوْمٌ فِينَا نَخْوَةٌ فَهَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ، وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، إِلَّا لَقِيَ اللهَ وَهو عَلَيْهِ غَضْبَانُ)(الجامع الصحيح للسنن والمسانيد 6/ 46).
فتجد المتكبر يعجبه حاله وينسى أنه بهذا تحرم عليه الجنة ويكون إلى جهنم مآله، ففي (صحيح مسلم 1/ 93) :(عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ:(لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ)،ويكون بين الناس في لقائهم به منبوذًا، وخيره فيهم مقطوعًا ومجذوذًا، ومجالسه من أحبابه خاليًا متروكًا، وهو فيقلوبهم مكروهًا، وقد حذرنا رسول الله ـ صلوات ربي عليه وسلامه ـ من هذا.
فإياك أخي المؤمن وأنت الآن في صيام وقريب من مولاك أنت تغتر أو تتكبر أو تصعّر خدك للناس لا في رمضان ولا في غيره ولا في حياتك كلها، فقد نهانا الله تعالى عن ذلك في وصية العبد الصالح لقمان لابنه، وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم:(بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ) (الجامع الصحيح للسنن والمسانيد 8/ 477).
ومن رحمة الله تعالى أن ضرب لخلقه أمثلة من خلقه ممن يتكبر
وتأملوا ما فعل الله بقارون، ولم يستمع على من نصحه ولا من أنذره انتقام ربه، وهاهو يأخذ عقابه،ويقول صاحب (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 1/ 324):(هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ ذَنْبُ أَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ فَابْتَلَاهُ اللهُ تَعَالَى بِالْبَلَاءِ فِي جَسَدِهِ وَذَهَابِ مَالِهِ؟ إِنَّمَا كَانَ ذَنْبُ أَيُّوبَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِ مِسْكِينٌ عَلَى ظُلْمٍ يَدْرَؤُهُ عَنْهُ، فَلَمْ يُعِنْهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِمَعْرُوفٍ وَيَنْهَ الظَّالِمَ عَنْ ظُلْمِ هَذَا الْمِسْكِينِفَابْتَلَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ).
والخلاصة: أنني أذكّر نفسي وإياكم بالتواضع وحسن الخلق فله من الثواب الكثير، وأحذّر نفسي وإياكم من الكبر والخيلاء فإن عواقبه وخيمة.حفظنا الله وإياكم..ولنستثمر صيامنا.

[email protected]*