د. جمال عبد العزيز أحمد:
6ـ (أل)التي للغلبة: هي (أل) التي تفيد معنى الغلبة اصطلاحًا، وهو تغليبُ معنى واحد لِلَّفظ على غيره، ويصير معروفًا به في كل مكان، وزمان، وهي ـ حقيقةً ـ في الأصل أل العهديّة، ولكن لمّا كان الاسم المقترن بها قد غلب عليه شئ‌ٌ من معناه، ملازمًا له لا ينفك منه، ولا يزول عنه ـ صار علمًا بالغلبة، وصارت معه (أل) لازمة في الكلمة، ولم تكن للتّعريف، وسلبته، ولا تحذف منه إلّا في النّداء، أو في الإضافة، أو في نادر الكلام، مثل:(سافرت إلى المدينة) فتسمع من بجوارك يقول:(اللهم عدنا يارب)، ثم يعقِّب بالصلاة والسلام على الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـفهو يقصد بها المدينة المنوّرة برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون غيها من المدن، ومثل قولنا:(طاف المسلمون بالبيت) فليس أيُّ بيت يطاف به، وإنما المقصودُ البيتُ الحرام، أي: الكعبة المشرفة، فَغُلِّبَ البيتُ على ما سواه من البيوت، ومثله: طفتُ بالحرم، أي بالكعبة، وإذا كان المرء في المدينة المنورة، وقال:(هيا بنا إلى الحرم) أي: الحرم المدني، أيْ: مسجد الرسول الكريم، وإذا كان في القدس الشريف، وقال لصديقه:(هيا بنا ندرك الجمعة في الحرم)، فهو يقصد المسجد الأقصى، أو بيت المقدس، ومثل قولك:(طلع النّجم) أي: الثّريّا، فتغلب الثريا من النجوم، ونحو:(إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا)، فهل المتخِذُ عجلا بصفة عامة يدخل تحت هذا الوعيد، وذاك التهديد؟، لا؛ لأن العجل الذي اتخذه بنو إسرائيل اتخذوه معبودًا من دون الله، فهو قد غُلِّبَ في معنًى محددٍ، لا يذهب إلى غيره، هو عِجْلُ بني إسرائيلَ على وجه الخصوص، ونحو:(جعل اللهُ الكعبةَ البيتَ الحرامَ قيامًا للناس والشهرَ الحرامَ والهديَ والقلائدَ..)، ونحو:(زرت الهرم) أي الذي في مصرَ فقط، وزرت العقبة، أي التي في الأردن، وهكذا، وقد عدَّها بعضُهم من نمط (أل) الزائدة اللازمة، والأولى وضعُها في نمط (أل) التي تفيد الغلبة؛ بسبب دلالتها، وتغليب استعمالها في مكان محدَّد، لا يتعداه مدى الحياة، أو في دلالة بعينها تظل مع مدلولها إلى أن يشاء الله؛ فتظل نسيج وحدها؛ حتى تتضح تلك الأنماط بشكل دقيق، ونفرق بين تلك الأنماط وبعضها بدلالاتها.
7) (أل) العهدية (هي وحدها ثلاثة أنواع):وهي ثلاثة أقسام، إما أن تكون ألللعهد الذِّكْريّ:
وهي ما سبقَ لمصحوبها ذِكْرٌ في الكلام، كقولكَ:(جاءني ضيفٌ، فأكرمتالضيفَ)، أي: الضيف المذكور سابقًا، ومنه قولُهتعالى:(كما أرسلنا إلى فِرعونَ رسولًا، فعصى فرعونُالرسولَ)، أي: الرسول المرسل إلى فرعون نفسه، وليس رسولًا آخر غير المذكور أولًا، ونحو:(كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة..)، فكل من المصباح والزجاجة ذكر من قبل، فهو مصباح واحد، وزجاجة واحدة، وكقولك:(قابلت طفلًا، وكان الطفل يبتسم)، و(عدت مريضًا وكان المريض يشكو ويتألم)، و(رأيت رجلًا، وكان الرجل يتلو القرآن الكريم).. وهكذا، وإما أن تكون (أل)للعهد الحُضوريّ:وهو ما يكونُ مصحوبُها حاضرًا، مثل:(جئتُ اليومَ)، أي اليومَ الحاضرَ الذي نحن فيه، ونحو:(اليومَ أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي..)، أي اليوم الذي يحضرنا ظرفُه، ويضمُّنا وقتُه، وهو يومُ عرفة؛ حيث نزلتْ تلك الآية الكريمة في هذا اليوم المهيب، المشهود، يوم الحج الأكبر،وكقولك عند مرور طالبٍ مَّا:(هذا هو الطالب أو الرجل الذي تفوق، وكان ترتيبه الأول على دفعته العام الماضي)، ونحو:(هذه البنتُ هي التي كوفئت أمس في مسابقة القرآن الكريم)، وهي تمضي، ونراها أمامنا حاضرةً، ماشيةً، فأل هنا في كل تلك الأمثلة والشواهد حضورية، أي للعهد الحضوري لا الذكري ولا الذهني، وإماأَن تكون (أل)للعهد الذهنيّ:وهي ما يكونُ مصحوبُها معهودًا ذهنيًّا، فينصرفُ الفكرُ إليهبمجرَّدِ النُّطقِ به، مثل:(حضرَ الأميرُ)، وكأن يكون بينك، وبينَ مُخاطَبك عهدٌبرجلٍ، فتقول: (حضرَ الرجلُ)، أي: الرجلُ المعهودُ ذِهنًا بينك وبين منتخاطبه، ومنه في القرآن الكريم:(إِذ هُما في الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزن إنَّ اللهَ مَعنا)، أي: الغار الذي في ذهني وفي ذهن كل مسلم يعرف قصة الهجرة، وانتقال الرسول الكريم من مكة إلى المدينة المنورة ومعه صاحبه في الغار والرحلة سيدنا أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ والغار الي استراح الرسول الكريم فيه ثلاثة أيام حتى انتهى طلب قريش لهما، فهو غار في ذهن، ومتخيل كلِّ مسلم يعرف السيرة النبوية المطهرة، ويحسن فهم قصة الابتلاء، وقصة الهجرة الشريفة بكل تفاصيلها.. وهكذا، إذن تلك هي أنماطُ (أل) في لغة العرب، وتلك هي أحكامُها النحويةُ، وضوابطُها القاعدية، ومواطن استعمالاتها اللغوية، وبعضُ نماذجها من القرآن الكريم.
* كلية دار العلومـ جامعة القاهرة بجمهورية مصر العربية.
[email protected]