عادل سعد:
مع شمولية مفهوم التنافسية وأثرها الواسع في مكوِّنات التنمية المستدامة يظل هذا المفهوم محكومًا بالمزيد من الخصوصية حين يتعلق الوضع بالفرص المتاحة للدول لأن تحتفظ بمقدار معيَّن من الجودة توفر الغطاء اللازم لتمرير ثقلها التنافسي بين دول العالم، في مناخات اقتصادية دولية تتسم بالتنوع والتعقيد والمضاربة في بعض الأحيان، بل والقدرة الابتكارية المتسارعة التي تتحكم في النوعية إلى حد بعيد على أساس إضافات تميزت بها هذه الدولة أو تلك عندما تسجل سبقًا ما في أفضل الوسائل الكفيلة بتحقيق كفاءة أداء التنمية المستدامة، اقتصادًا ونموذجًا اجتماعيًّا وسياسيًّا وبنيةً ثقافيةً معاصرةً، تصون الإرادة الإنسانية وبذلك تحتفظ بالصدارة.
لقد أنيطت مسؤوليات قياس الجودة في شأن التنافسية بأكثر من جهة واحدة على رأسها البنك الدولي ويليه المنتدى الاقتصادي العالمي، وكذلك المؤسسة الدولية للتطوير الإداري وهي مؤسسة مستقلة مقرها في جنيف.
الحال أيضًا هناك منظمة التجارة الدولية للبت في الحقوق التجارية لهذا البلد أو ذاك ومدى تطابق الشروط الدولية القانونية، والأسبق من ذلك، ما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية ومدى أهميتها في الحصول على مميزات معينة تستحقها.
إن المعايير المعتمدة لقياس الدرجات التي وصلت إليها كفاءات الدول لتعيين منزلتها التنافسية تنتشر ضمن (114) معيارًا موزعة باثنتي عشرة مجموعة تشمل النظام المؤسسي، التعليم، الصحة، البنية التحتية، استيعاب سوق العمل، التنمية المستدامة، كفاءة المنتجات الصناعية والزراعية والخدمية، الشروط البيئية، الغطاء المالي، الحصانة الاقتصادية العامة في القدرة على مواجهة الأزمات وامتصاص الصدمات وحجم الحصانة لمواجهة أي انكشاف اقتصادي محتمل، وتأسيسًا على هذه الآليات تصدر سنويًّا تقارير تؤشر المنزلة التي تتمتع بها الدول على قياس سلَّم الأسبقية من حيث قدرتها التنافسية في المجالات التي أشرنا إليها ويتم البناء في هذا التصنيف على الجودة العامة.
عمومًا، لا تخلو دولة من دول العالم من مؤسسة معنيَّة بهذا الشأن على أساس عملي يتناول قيمة وحجم مرتكزات تنمية الازدهار وتحقيق التطورات اللازمة بالاعتماد على النوعية. وبقدر ما يتعلق الأمر بالتوجُّهات العُمانية المرتبطة بهذا الموضوع، فإن ما اتخذته اللجنة الوطنية للمنافسة من قرارات خلال اجتماعها في الأيام القليلة الماضية يندرج ضمن الأسبقية اللازمة للوقوف على آخر متطلبات الالتزام بتطابق المناهج التي تعتمدها السلطنة مع المعايير التي أشرنا إليها، وبالتالي يعكس اهتمامًا عمانيًّا متواصلًا في الحرص على التحديث ضمن أوسع صورهِ بما يستجيب للفرص المتاحة ومواكبة التطورات المعاصرة.
وبمقتضى الخطة الإعلامية التي يعتمدها المكتب الوطني العماني للتنافسية، فإن الملامسة الحقيقية ينبغي أن تنسجم تمام الانسجام مع مفاهيم التقييس والسيطرة النوعية، وإذا كان لا بُدَّ من مؤشرات على الأشواط التي أنجزتها السلطنة خصيصًا لهذه المسؤولية التطويرية، فلنا أن نشير إلى عناوين تنمويةٍ تمتد في كل الميادين الحياتية التي لها علاقة مباشرة بحقوق المواطنين العُمانيين في التنمية البشرية المستدامة، ويكفي هنا أن نتصفح بعض التقييمات التي نالتها السلطنة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، التصنيف الائتماني السنوي للاقتصاد العُماني، أفضل الخدمات المقدمة للمواطنين، أفضل المشاركات المجتمعية، الاهتمام المستجد بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، تيسير الآليات المالية المصرفية، تصنيف السلطنة ضمن قائمة أفضل الدول لهواة السياحة في الطبيعة، الانتشار الواسع لاستخدام الشبكة الإلكترونية قياسًا بعدد السكان، مع ملاحظة تشخيصية جديرة بالطرح تتعلق باستيعاب الرأي العام العُماني لهذه المؤشرات، هل ارتفع حقًا إلى المستوى المكافئ لما تحقق من شروط المنافسة؟
لا شك أن الإجابة على هذا السؤال تتطلب فحصًا معرفيًّا دوريًّا للوقوف على النتائج.