د. حميد بن محمد البوسعيدي:
يهدف هذا المقال إلى عمل ربط بين مسؤوليات الجهات الحكومية الموكل إليها اعتماد السياسات وتنظيم قطاع الاتصالات، وبين تأثير ذلك على جودة خدمات الاتصالات المقدمة من الشركات المرخص لها. وأيضا مدى الوصول إلى مستوى التنافسية في سوق الاتصالات بعد دخول أكثر من شركة. حسب هيكلة قطاع الاتصالات، فإن وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، هي الجهة المختصة برسم السياسات المتعلقة بالاتصالات، ثم يأتي دورهيئة تنظيم الاتصالات بتنفيذ وتطبيق تلك السياسات على شركات الاتصالات ومتابعة مدى الوفاء بالالتزامات وجودة الخدمة المحددة في تراخيص التشغيل الممنوحة لها. وأيضا من ضمن الأهداف العامة من إنشاء هيئة تنظيم الاتصالات، هو ضمان توفير خدمات الاتصالات في جميع أنحاء الدولة وبأسعار معقولة. عليه مر قطاع الاتصالات بمراحل عدة، كان أهمها هو خصخصة الهيئة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية وتحويلها إلى النمط التجاري تحت مسمى الشركة العمانية للاتصالات (عمانتل) بملكية حكومية، ثم بعد ذلك تم طرح بعض من أسمهما للاكتتاب العام. تلا ذلك الترخيص للشركة العمانية القطرية للاتصالات (اوريدو حاليا سابقا النورس)، بممارسة العمل في قطاع الاتصالات في عام 2004م بدخولها السوق العماني كمشغل ثان بتقديم خدمات الهاتف المتنقل والإنترنت هدفا وغاية من الحكومة بتسريع خدمات الاتصالات وبأسعار تنافسية. بعد ذلك بأعوام جاءت موافقة الحكومة على السماح لمشغل ثالث وكان ذلك في عام 2016م، الأمر الذي تبعه عمل مناقصة دولية وبعد دراسات استراتيجية واقتصادية، خلص الرأي بتوجيه صناديق التقاعد الحكومية بالعمل على إنشاء شركة متخصصة في مجال الاتصالات وبتعاون استراتيجي مع أعرق العلامات التجارية في قطاع الاتصالات حيث تولد عن ذلك الترخيص للشركة العمانية لاتصالات المستقبل (فودافون عمان) والتي دشنت منتجاتها من خدمات الهاتف المتنقل في أواخر ديسمبر عام 2021م.
هذا التدرج في خصخصة قطاع الاتصالات شكل نوعا من الانتشار في خدمات الاتصالات، وأيضا الى إيجاد نوع من التنافس بين شركات الاتصالات فيما يتعلق بالجودة وأسعار خدمات الاتصالات بالنسبة للهاتف المتنقل والإنترنت. ولكن ذلك الانتشار وإن كان أفضل بكثير عما كان عليه الوضع سابقا، إلا أن التغطية الشاملة للإنترنت لم تكن على المستوى المتأمل منه ليشمل جميع المحافظات على الرغم من مرور ما يقرب من عشرين عاما على إنشاء هيئة تنظيم الاتصالات والتي تعتبر الجهة الحكومية التنفيذية التي تمد الجهات الأخرى التي ترسم السياسات بمدى تحقق ذلك الانتشار من عدمه. وقد يكون وباء كوفيد-19، وما تم مشاهدته من الدخول في أزمة في الاتصال بشبكات الإنترنت (خاصة في بعض الولايات والمناطق النائية) ومدى قدرة الجهات الحكومية على تطبيق الأنظمة الرقمية وخاصة في مجال التعليم المدمج وتأثر سير العملية التعليمية، أعطى انطباعا بأن آثار عدم انتشار الإنترنت له مآخذ سلبية ليس على نطاق الأفراد واتصالاتهم اليومية ولكن على الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية وعلى القطاع الاقتصادي والصناعي على حد السواء. ولكي نعطي تحليلا عن جودة الخدمات المقدمة ومدى تنافسية سوق الاتصالات حسب البيانات والإحصاءات، التي نشرتها هيئة تنظيم الاتصالات على حسابها في (توتير) بتاريخ 7/ 2/ 2022م المتعلقة بالشكاوى المقدمة من المستخدمين فيما يخص الهاتف المتنقل والإنترنت.فإن شركة اوريدو أتت في المرتبة الأولى من حيث عدد الشكاوى الفنية وجودة الخدمة لكل (100,000) مشترك، بعدد (1,490) شكوى ،بالرغم من أن حصتها السوقية فيما يخص الهاتف المتنقل المحلي حلت ثانيا وبنسبة بلغت (39%). في المقابل فإن شركة عمانتل احتلت المرتبة الأولى من حيث عدد الشكاوى المتعلقة بالفوترة والالتزامات المالية بعدد (611) شكوى مع كونها أيضا في المرتبة الأولى من حيث نسبة الاستحواذ على الحصص السوقية للهاتف المتنقل وبنسبة بلغت (43%). وتأسيسا على قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، فإن الأرقام تشير إلى وجود نوعا من الهيمنة في سوق الاتصالات (الهواتف المتنقلة) وذلك بإستخواذ كل شركة على نسبة تفوق (35%) من الحصص السوقية وهي النسبة التي حددها القانون بمستوى الهيمنة في السوق. كما نشير بأن النسبة المحددة بقانون المنافسة تنطبق أيضا على أغلب الأنشطة الاقتصادية وأنشطة الخدمات وليست محصورة على قطاع معين. عليه وإن كان قرار دخول المشغل الثالث لسوق الاتصالات جاء متأخرا بالمقارنة بتاريخ صدور قانون المنافسة ومنع الاحتكار في عام 2014م، إلا إنه سوف يعمل على تسريع وتيرة الانتشار لخدمات الاتصالات لتواكب التطور التقني العالي السرعة وعلى منح العملاء أكثر من خيار للمفاضلة بينهما بناء على عناصر الجودة والأسعار التنافسية. أيضا فإن دخول المشغل الثالث يعد خطوة في المسار الصحيح ومن شأن ذلك أن يعمل على إدخال منتجات جديدة للعملاء مع تجويد الخدمة المقدمة لهم. ولمقارنة ذلك على سبيل المثال، في حال رغبة العميل في تغيير الشركة التي يتعامل معها والذهاب لمشغل آخر، فهناك خياران يمكن أن يقوم بأحدهما. الأول وبينما نحن في عالم الاتصالات الرقمي المتسارع ،إلا إنه سوف يطلب من العميل الحضور لإحدى صالات الشركة في أوقات الدوام الرسمي الفترة الصباحية بحيث يمنح رسالة "برآءة الذمة" توقع من المدير وتكون مدة صلاحيتها (24) ساعة. الخيار الثاني هو بعد قيام العميل بتسديد جميع المستحقات المالية التي عليه، تقوم الشركة بتحويل هاتفه لباقة "مسبق الدفع " مع دفع مبلغ يزيد قليلا عن (4) ريالات رسوم التحويل، وبهذا يستطيع العميل الذهاب لمشغل آخر. وبالرغم من أن خدمة الاحتفاظ برقم الهاتف القديم، نظام تم إجازته من قبل هيئة تنظيم الاتصالات بعد دخول المشغل الثاني، أي قبل (18) عاما إلا أن الخدمة ليست سريعة، حيث سوف ينتظر العميل ما يقرب من (48) ساعة على الأقل، لكي تقوم الشركةبمنحه الموافقة للانضمام إليها بنفس رقمه السابق. وللمقارنة على ذلكما الخيارين المعمول بهما حاليا، ومع دخول المشغل الثالث وحسب موقعها الالكتروني فإن العميل الجديد يستطيع الانضمام إليها برقمه "آجل الدفع" على سبيل المثال، عن طريق التطبيق الالكتروني حيث تقوم الشركة إلكترونيا بمتابعة سير الطلب دون الحاجة لزيارة صالات الشركة أو طلب رسالة براءة الذمة. وحسب مشاهدات أغلب العملاء فإن دخول المشغل الثالث عمل حراكا إيجابيا شاهده الجميع في محاولة المشغلين الحاليين من تقديم خدمات اتصالات ذات جودة عاليةوالعمل على تنافسية أسعار خدمات الهاتف المتنقل.
وبالنسبة لسوق الإنترنت (النطاق العريض) والذي أصبح التنافس فيه ليس في سرعة انتشاره الجغرافي، وإنما بمعدلات السرعة التي يقدمها للأفراد والقطاعات الاقتصادية والإنتاجية ولعل تعطل خدمات الإنترنت لساعات معينة وليس أياما قد يكبد الاقتصاد خسائر مالية نظرا لتواجده في جميع ميادين الحياة. وفي سلطنة عمان هناك ثلاث شركات تقدم خدمات الإنترنت ذو النطاق العريض وهي: عمانتل، اوريدو وأواصر، وإن البيانات تشير إلى استمرار هيمنة شركة "عمانتل" على الحصة السوقية الأعلى لإنترنت النطاق العريض وبنسبة وصلت الى 55%، ولكن الحصص السوقية الأخرى لشركتي "اوريدو" بنسبة 31% و شركة "أواصر"بنسبة 14%، تتوافق مع النسبة المحددة بقانون المنافسة. كما يشير الجدول الى حصول شركة "عمانتل" على أعلى نسبة من الشكاوى الفنية وجودة الخدمة لكل (10,000) مشترك بعدد (2,344) شكوى مقارنة بعدد (1,640) شكوى، لشركة "اوريدو"، وأيضا حصول شركة "عمانتل" على العدد الأعلى من الشكوى المتعلقة بالفوترة والالتزامات المالية.
من خلال تحليل البيانات السابقة، نختم بالقول بأن سوق الاتصالات سوف يتفاعل إيجابيا في تقديم خدمات اتصالات ذات جودة وبأسعار قد تكون تنافسية مع دخول المشغل الثالث والذي يعتبر قرارا استراتيجيا من الحكومة، يتطلب من هيئة تنظيم الاتصالات منح الشركة الجديدة كل أشكال الدعم من حيث سرعة النفاذ الجغرافي في تغطية شبكتها لجميع المحافظات، وأيضا يحتاج من الشركة نفسها أن تقدم خدمات اتصالات ابتكارية وبأسعار تنافسية. كما أن الأمل مشرق بإذن الله من حصول تطور في قطاع الاتصالات من خلال سعي وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات نحو تفعيل وتحديث القوانين الحالية المتصلة بهذا القطاع.

خبير بجامعة السلطان قابوس*
Twitter: HumaidBusaidi