أ.د. محمد الدعمي:ربما لم يسمع الملايين من القرَّاء العرب، من بين سواهم من قرَّاء دول الشرق الأوسط، بقبيلتي "الخروف الأبيض" و"الخروف الأسود" (قره قوينلو، وآق قوينلو)، وهما قبيلتان قادمتان من آسيا الوسطى تناوبتا على الهيمنة على مركز الخلافة العباسية ببغداد، خصوصًا بعد تدهور سلطة الخلافة العربية وتوالي الخلفاء الضعفاء على سدة الحكم في بغداد العباسية. هذا بالضبط ما أذن بسقوط الدولة العباسية بالسهولة التي أدار "هولاكو خان" المغولي بها عملية احتلال بغداد وإنهاء دورها الإقليمي والعالمي حقبة ذاك.وللمرء أن يستحضر هذه المرحلة المؤلمة من العصر العباسي الرابع (والأخير) على سبيل استلال الدروس لعالمنا العربي والشرق أوسطي اليوم: فثمة علاقة نسبة وتناسب بين قوة الدولة المركزية، من ناحية، وقوة وجبروت الميليشيات المسلحة داخل ذات الكيان السياسي، ودليل ما أذهب إليه في هذا السياق هو ظهور بثور تمارض الدولة المركزية على بشرتها حالما تتم مصادرة دورها الأساس من قبل جماعات خارجة على القانون، كما هي عليه الحال في بعض دول الشرق الأوسط، للأسف!وإذا كانت قبيلتا الخروف الأبيض والخروف الأسود قد بلغتا من الاستهتار بمركز الخلافة حد تنصيب الخلفاء وعزلهم (كالدمى) الذين يحكمون بالاسم فقط، حيث كان يسك هذا الاسم المجرَّد على دراهم ودنانير الدولة العباسية. وقد بلغت الهيمنة الأجنبية حدود "سمل أعين" الخليفة العباسي كي يفقد أحد أهم شروط صلاحية خليفة، وهي الشروط التي تسمح له بإدارة دولة عظمى (كخليفة)، دولة كانت تمتد من حدود الصين شرقًا، حتى المحيط الأطلسي غربًا.والحقُّ، فإن للمرء أن يلاحظ علاقة الشدِّ والجذب بين الحكومة المركزية والجماعات المسلحة غير المنضبطة التي لا تأتمر بأوامر الحكومة في عدة حالات عبر عالم الشرق الأوسط المعاصر الذي راح يتفكك ويتشرذم مع تعاظم جبروت الجماعات المسلحة التي تنافس الدولة المركزية في فرض سلطتها، بحجج واهية، ومنها ضعف "المركز" والحاجة لحل محله من قبل قوى داخلية مقتدرة!وإذا ما وصل تآكل الدولة العباسية ببغداد حد الاستسلام وتسليم مفاتيح بغداد للغازي المغولي التتري دون مقاومة (1258م)، فإن على المرء دق نواقيس الخطر في عدة دول عبر المنطقة، حيث تتعاظم هيمنة الميليشيات المسلحة التي ترفض سيطرة الدولة المركزية عليها.وإذا كان هناك من البسطاء والساذجين من يستحسن هذه الظاهرة المنفلتة الخطيرة، فإن على المرء أن ينبهه إلى محاذير الانقلاب الأمني الذي لا بُدَّ وأن ينتهي إلى تهديد وحدة الدولة، إن لم يفعل الوطنيون الأحرار ما هو ضروري لحمايتها وبقائها.وللمرء في قصة سقوط بغداد العباسية على أيدي هولاكو خان وجموع جنده المغول درسٌ لا بُدَّ من الرجوع إليه لمعالجة الحاضر واستشراف المستقبل!