وليد الزبيدي:
انتشرت هذه القصة في العالم كما لم ينتشر عمل أدبي مثلها، وقد يكون مستغربا أن ينشر كاتب ضمن مقاله قصة قصيرة كاملة، إلا أنني فاعل ذلك، فالقصة قصيرة جدا، وفيها متعة غريبة وحبكة وصياغة قصصية نادرة ومتقنة، وأعترف أنني لم أقرأ سابقا نصا شدَّني مثلما حصل مع قصة (توأمي) للكاتب الإسباني رافائيل نوبوا، وربط البعض من الذين قرأوا هذه القصة وموضوع روايتي (الابن الثالث) التي تتحدث عن توأم يتشابهان جدا، ويسقط أحدهما في الحرب خلال المعارك، وعندما يصل جثمانه لا تتعرف عائلته عليه، وكان عليهم انتظار ولدهم الثاني الذي كان في معركة بجبهة حرب (1980 – 1988) بين العراق وإيران، لكن الصدمة كانت قوية عندما يقع الابن الآخر في الأسر، وحتى عندما يعود بعد سنوات عديدة، لم يكشف عن هُويته لأهله. لكن في واقع الحال هذه القصة القصيرة تعوض بسطورها عن روايات طويلة وعديدة.
إليكم نص القصة:
"لم أسامح أخي التوأم الذي هجرني لسِت دقائق في بطن أمي، وتركني هناك، وحيدًا مذعورًا في الظَّلام، عائمًا كرائد فضاء في بطن أمِّي، مستمعًا إلى القبلات تنهمر عليه في الجانب الآخر. كانت تلك أطول سِت دقائق في حياتي، وهي التي حدَّدت في النِّهاية أنَّ أخي سيكون الابن اﻷكبر والمفضل لأمي".
منذ ذلك الحين، صرت أسبق أخي في الخروج من كلِّ الأماكن: من الغرفة، من البيت، من المدرسة، من السينما مع أن ذلك كان يكلِّفني أن أفوت مشاهدة نهاية الفيلم .
وفي يوم من الأيام، التهيت، فخرج أخي قبلي إلى الشَّارع، وبينما كان ينظر إليَّ بابتسامته الوديعة، دهسته سيارة، أتذكر أن والدتي، لدى سماعها صوت الضَّربة، ركضت من المنزل ومرَّت من أمامي، ذراعاها كانتا ممدودتين نحو جثَّة أخي ولكنَّها تصرخ باسمي ..
حتى هذه اللحظة لم أصحِّح لها خطأها أبدًا.
متُّ أنا وعاش أخي.
(انتهت القصة)
عندما حاولت البحث في محركات البحث في شبكة الإنترنت عن الكاتب الإسباني رافائيل نوبوا وجدت مواقع كثيرة جدا تذكر اسم الكاتب، لكن في الواقع جميعها تضع هذه القصة في المكان المخصص لكتابات المؤلف الذي تمكن من جذب انتباه القراء والكتاب والنقاد على حدٍّ سواء، ورغم عدم معرفتي بالدراسات التي تناولت هذا العمل الإبداعي، إلا أنني متأكد من كثرتها وتميزها وتناولها للقصة القصيرة جدا بدراسات مطولة ومقالات أيضا.
أدهشتنا قصص الكتاب الذين كتبوا القصة القصيرة أمثال تشيخوف ود. يوسف إدريس من مصر، وتميز في العراق الراحل الدكتور خالد حبيب الراوي والروائي والقاص العراقي علي حداد وغيرهم الكثير، وكتب الجميع القصة الواقعية إلا أن رافائيل أدهشنا بقصته بلونها وطعمها وحبكتها.