أحمد صبري:
على الرغم من دورة الحياة وتبدل الأماكن واختفاء معالمها غير أن لتلك المعالم من منطقة الكرخ بقيت شاخصة وحاضرة عند أهل هذا الحي يتغنون بأمجادها بذكريات تركت بصمة في حياتهم ما زالوا يحنون إلى الماضي القريب، الذي زحفت عليه دورة الحياة وحولته إلى ماضٍ تليد لم يفارق أهلها على مر الزمن، حيث شهدت منطقة الكرخ منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 أحداثا سياسية ارتبطت بتلك المعالم، وأصبحت شاهدا عليها وتأبى النسيان.
لقد جلنا في مرابع الكرخ الجميلة وشخوصها وحواضرها، واستعدنا طعم تلك الأيام الخوالي وهي إضاءة تلخص تاريخ مدينة كانت على الدوام في صدارة أحداث العراق وأبرز محطاته المضيئة.
وفي تجوالنا في معالم منطقة الكرخ توقفنا عند مقهى الوحدة العربية، كان صاحبها عدنان وحدة، بنيت على أنقاضها فيما بعد تربية الكرخ حاليا. وأذكر أن مقهى الوحدة تعرض لهجوم من قبل الشيوعيين في زمن رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم وعبثوا بمحتوياته ورموا قسما منه في نهر دجلة وكانوا يبحثون عن عدنان وحدة الذي أبلغهم أنه غادر المكان من دون أن يعرفوا هويته.
وقريبا من مقهى عدنان وحدة كان بمحاذاة بيت محمد حسن الصدر رئيس الوزراء العراقي الأسبق باتجاه التكارتة حمام الجعيفر وعيادة الدكتور أحمد صميم الصفار وجامع ثريا، وصولا إلى تكية بيت إبراهيم الشيخ، كما كانت تقع مقابل بيت الصدر مقهى ستوري المطلة على دجلة مباشرة وبجوار بيت الصدر أيضا مركز شرطة الجعيفر ومتوسطة الجعيفر للبنات، وبجانبها كان أشهر مقهى يطل على دجلة من طابقين قبالة دجلة يحمل اسم الريفي (لصاحبها محسن أبو عامر الجويني). وكان ملتقى لرموز التيار القومي العربي في تلك الفترة وبجواره أشهر مطعم للكباب وحمل اسم (كباب السد العالي) لصاحبه كامل الزوبعي الذي نقل مطعمه فيما بعد بالقرب من سجن أبو غريب. وفي مقابل كباب السد العالي كانت متوسطة الجعيفر للبنين وبجوارها مقهى ارزوقي ابن عياش.
وإذا توغلنا خلف بيت توفيق المختار (برلماني سابق) لا ننسى مقهى ملتقى العرب لصاحبه ياسين المشهداني أبو رعد في منطقة المشاهدة الثانية، وكان رواده من رموز البعثيين، ولا ننسى أيضا محمود المعتصم المشهداني الذي كان يجمع أهم الصحف والمجلات العربية، وخلف ملتقى العرب منطقة السكك وفيها مقهى سُمي بنفس الاسم، وقريبا منه كان معمل عيسى أبو الطحين وبجواره مقهى لصاحبه عباس شعاع. وإذا استدرنا يسارا باتجاه الشارع الذي يؤدي إلى رأس الجعيفر فإننا نتوقف عند مقهيين متقابلين سُمِّيا بأسماء صاحبهما وهما جمعة الفرهود الزوبعي وطه الجبوري، وليس بعيدا منهما يوجد مقهى فاضل العمرة، وأصبح فيما بعد لخليل الدوري، وفي نهاية الشارع يقع مقهى الفدائي وبجواره جامع رشيد دراغ، وعندما نتوغل في هذا الشارع، وهو شارع الشيخ معروف، نلاحظ مقهى الجمهورية لصاحبه إبراهيم أبو زويد، ومقهى أبو زناد مقابل بيت هدن الواقع بجوار خان بنات الحسن.
هذه إضاءة على بعض من تاريخ حي من أحياء منطقة الكرخ وتاريخها الناصع ورموزها الميامين الذين بنوا العراق ودافعوا عن عروبته.