إبراهيم بدوي:يأتي إعلان الاتحاد الأوروبي عن إطلاق برنامجه الجديد (برنامج أوروبا العالمي حول السلام والاستقرار ومنع نشوب الصراعات في العالم) ليزيد من مخاوفنا، فكلما نسمع عن إطلاق مثل هذه البرامج من إحدى الدول الكبرى أو المنظمات الكبرى، ورصد المبالغ الكبيرة لتحقيقها، نشعر بأنها برامج تعمل وفق أجندة خاصة، فهذه البرامج سيئة السمعة كان لها تأثير سلبي على إقليمنا الشرق متوسطي. في الأمس القريب، فتحت تلك البرامج حروبا أهلية طالت دولا كبرى في المنطقة، وأسقطت حكومات مستقرة، لدرجة لم تعرف بعض الدول الاستقرار إلى الآن، لذا أتوجس خيفة كلما خرجت دولة كبرى أو منظمة للإعلان عن مثل تلك البرامج التي أضحت تتسم بسمعة سيئة في ربوع المعمورة، خصوصا عندما ترتبط بمصطلحات مثل حقوق الإنسان، والوساطة، ومنع نشوب النزاعات، في حين نجد أن دولنا الكبرى التي انهارت كانت هذه المزاعم معاول الهدم التي استخدمت بها، وبدلا من إصلاح العطب الداخلي، دخلت على الخط أجندات متناحرة، دفعنا نحن ثمنها من مقدرتنا، ومن مستقبلنا.لذا فمن الطبيعي أن تساورنا الشكوك نحو برنامج يرصد 900 مليون يورو (1ر1 مليار دولار أميركي)، خلال 6 سنوات، ليس بهدف التنمية في الدول النامية، أو محاربة الضرر البيئي الواقع على هذا الكوكب التعيس، بفعل أنانية دوله الكبرى، ومنهم من يسيطر على القرار الأوروبي، لكنه لا يزال يحمل شعارات سيئة السمعة مثل دعم الإجراءات ذات التأثير العالمي أو عبر الإقليمي بالفترة من 2021 إلى 2027 من خلال تقديم المساعدة لبناء القدرات لمنع النزاعات وبناء السلام والتأهب للأزمات والتصدي للتهديدات العالمية، وهي شعارات فضفاضة أرى أنه تترجم إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الصغيرة، والعمل على تنفيذ المصالح الأوروبية حول العالم، خصوصا في المناطق الملتهبة بصراعات مثل منطقتنا المنكوبة، وهو ما يجعلنا نخشى أن ندفع ثمن تلك المطامع مجددا، ويحملنا للتوقف والتأني قبل الموافقة على دخول تلك الأموال أوطاننا، فكما يقول المثل الشعبي المصري: (الحداية لا تقذف كتاكيت).وعلى أشد ما يؤجج المخاوف هو خروج ذلك البرنامج من الاتحاد الأوروبي، الذي تسيطر عليه مجموعة من الدول تختلف مصالحها في عدد من الأقاليم حول العالم، فالمتابع مثلا للشأن الليبي سيجد صراعا أوروبيا أوروبيا أو بالأدق فرنسيا إيطاليا حول مقدرات الشعب الليبي. لذا فحتى المصالح المشبوهة لبعض الدول الكبرى، في الوضع الأوروبي أكثر خطورة؛ لأن المنظمة الأوروبية مكونة من عدة دول تتضارب مصالحها أحيانا، فيكون التدخل الأوروبي عامل هدم أكثر عن غيره من التدخلات. لذا لا يغرنا التشدق بشعارات فخمة وفضفاضة، مثل أن البرنامج سيعزز الإجراءات المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومنع التطرف مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى منع نشوب النزاعات، كما سيواصل دعم عمليات الوساطة، وأن هناك حاجة متزايدة لمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب وسبل تمويله وكذلك التطرف.كيف يتحدث البرنامج عن الإرهاب الدولي، وقد كانت بعض الدول الأوروبية خير مُعين للمنظمات الإرهابية التي أطاحت بمقدرات العديد من الدول، ولنا في سوريا وليبيا نماذج، بالإضافة إلى غيرها من الدول في المنطقة التي لم تصل الصراعات للحدِّ الكارثي الذي شهدته ليبيا وسوريا، بالإضافة إلى أنه وحتى الآن لم يتم وضع تعريف واضح عن الإرهاب، لدرجة جعلت منظمات إرهابية محلا للتفاوض الدولي، ومنظمات مقاومة ضد الاحتلال، توصم بالإرهاب.فالسوابق تفرض علينا بالتأكيد إبداء حرص ضروري تجاه تلك البرامج، والتعاطي معها بحذر مطلوب؛ لأن الرهانات أثبتت أنها تطول أمن واستقرار الدول، وتعصف بمقدراتها، وأن المخاوف بعد ما سبق أضحت مشروعة ولها ما يبررها، وعلى صناع القرار في الدول العربية أن يترووا قبل الهرولة نحو تلك الأموال، وأن يتعلموا مما سبق؛ لأن المنطقة لا تستطيع تحمل المزيد من الفوضى الخلاقة، وعلينا عدم الانقياد تحت شعارات، معالجة عدم الاستقرار والصراع على مستوى العالم، أو دعم الشركاء في منع النزاعات وبناء السلام والتأهب للأزمات على الصعيد العالمي والتصدي للتهديدات الناشئة، فهي ذات الشعارات القديمة لكن بصبغات جديدة.