تُعدُّ حماية المال العامِّ أو المال المملوك للدولة من أهمِّ اختصاصات وواجبات الحكومة، فهو حقٌّ أصيل للشَّعب في ثرواته العامَّة، وهو المُحرِّك الأساسي لنُمو الاقتصاد في أيِّ بلد، وهو الشَّريك الفاعل في بناء الوطن بكُلِّ قطاعاته، وهو حقُّ الأجيال القادمة في ثروات أوطانهم، لذا تعمل الحكومات على إصدار القوانين التي من شأنها حماية المال العامِّ، والتي تتطوَّر بتطوُّر مفهوم المال العامِّ، وتشعُّباته في مختلف القطاعات والأنشطة، ويرتبط دائمًا قانون حماية المال العامِّ بتضارب المصلحة، حيث يُعدُّ تضارب المصالح إحدى أهمِّ الأدوات في إهدار المال العامِّ، لذلك تُوضع قوانين مُلزمة تتبنَّى عصرها عند الحديث عن تعديل القانون الذي يعمل على حماية المال العامِّ، ويمنع الإضرار به عبر تضارب المصلحة بَيْنَ العامِّ والخاصِّ.
ووفقًا لذلك، أقرَّ مجلس الوزراء أمس الأوَّل دراسة تعديل قانون حماية المال العامِّ وتجنُّب تضارب المصالح الصادر بالمرسوم السُّلطاني السَّامي رقم (112/2011) بهدف تعزيز الشفافيَّة والإجراءات الحكوميَّة المُتَّخذة لمكافحة الفساد، ويأتي الإقرار لدراسة تعديل القانون "في ضوء الاهتمام الدَّائم الذي تُولِيه الحكومة لتحديث التَّشريعات والقوانين ومُراجعة الجوانب التشريعيَّة والرقابيَّة وتطوير أدوات المُساءلة والمُحاسبة؛ لتكون ركيزة أساسيَّة من ركائز المستقبَل في ترسيخ العدالة والنَّزاهة، الأمر الذي يُعزِّز من قدرة الحكومة على القيام بمتطلَّبات تحقيق رؤية عُمان ٢٠٤٠"، وذلك بهدف تعزيز الشفافيَّة والإجراءات الحكوميَّة المُتَّخذة لمكافحة الفساد، وبحيث يقوم جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة بالتَّنسيق مع الجهات المختصَّة حَوْلَ مشروع التَّعديلات التي سيتمُّ إدخالها على القانون السَّاري تحقيقًا للمزيد من الحماية للمال العامِّ.
إنَّ حماية المال العامِّ أضحت مطلبًا وطنيًّا بامتياز يجب أنْ يُنادي به كُلُّ فردٍ في المجتمع، كما يجب أنْ يلتزم به أبناء الوطن؛ لِمَا له من أهميَّة قصوى ومردود إيجابي على الوطن والمواطن. فحماية المال العامِّ يجب أنْ لا تكون مجرَّد مصطلح فضفاض يقتصر على حفظ المال العامِّ من السَّرقة والاختلاس بشكْلٍ مباشر فقط، لكنَّه يجب أنْ يُجاري العصر وتشابُك علاقاته التي باتت تختلف باختلاف طبيعة العمل داخل الجهات الحكوميَّة، وارتباطها بالقطاع الخاصِّ، وذلك وفق موادَّ تتَّسم بالشفافيَّة والوضوح، لتمنع تضارب المصالح الذي يُعدُّ مدخلًا قويًّا لحماية المال العامِّ، وعلى الحكومة أنْ تُطوِّر من أساليبها الرقابيَّة ومواكبة التطوُّرات العالميَّة في هذا الصَّدد، واستحداث جهات رقابيَّة لها من الاستقلاليَّة ما يؤهِّلها للقيام بدَوْرِها المنوط، واستخدام أحدث الأساليب العلميَّة في مجالات المُحاسبة والتَّدقيق.
إنَّ إقرار دراسة القانون يُعدُّ الخطوة الأولى نَحْوَ إجراء تعديلات تُواكب العصر وتُرسِّخ القِيَم والمبادئ المُتمثِّلة في النَّزاهة والأمانة والموضوعيَّة والحِياد والعدالة والشفافيَّة في جميع المعاملات مع المال العامِّ، أو التَّعاملات التي تستلزم إظهار تضارب المصالح بَيْنَ الموظَّف المسؤول والجهات الخاصَّة، وذلك بهدف منع تأثير المصالح الخاصَّة للموظفين والمتعاملين في عدالة إجراءات المنافسات ونزاهتها، ومعالجة حالات تعارُض المصالح، والتَّعامل معها بكفايَة وفاعليَّة، من أجْل حماية المال العامِّ من الفساد والكسب غير المشروع، فهذا القانون من أهمِّ القوانين التي تمنع انتشار الفساد وتعمل على مكافحته في المجتمع، وإقراره بعد دراسة معمَّقة تُواكب التَّحديثات العالميَّة، سيكون له انعكاس إيجابي على الاقتصاد الوطني ككُلٍّ.