علي ساجد:
عزيزي القارئ.. تنقسم الفراسة الى نوعين، فالنوع الأول ما يومض في الفكر بما يشبه الإلهام، وهي فطرية تصقلها التجربة وهي ما تسمى بـ(الفراسة الشرعية)، وهي نور إيماني ينبسط على القلب حتى يتميز في نظر صاحبه حال المنظور فيه من غيره ولكل مؤمن منها نصيب، لكن لا يهتدي لحقيقتها إلا من صفا قلبه من الشواغل.
ومن هنا قيل عنها إنها ملكة لا ينبغ فيها إلا أناس فيهم استعداد خاص لها يدل على ذلك أن بعض الناس يمتاز فيها دون الآخرين، وقد تراها في بعض الناس خلقية دون علم أو دراسة، ولكن لو تعلموا هذا العلم لكانوا من النابغين فيه.
والنوع الثاني هو صناعة مكتسبة بالخبرة والتدريب، وتقوم على معرفة بواطنالأشخاص بظواهر الحواس ومن فروعها فراسة الرأس، وفراسة الوجه، وفراسة الكف، وفراسة المشي، وفراسة الخط، وفراسة المقابلة.. وغيرها وإن شاء الله سوف نتحدث عن بعضها حسب ما يتسع به المجال.
* الفراسة عند المسلمين:
الفراسة نور يقذفه الله في قلب عبده المؤمن الملتزم سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) يكشف له بعض ما خفي على غيره مستدلاً عليه بظاهر الأمر فيسدد في رأيه، يفرق بهذه الفراسة بين الحق والباطل والصادق والكاذب دون أن يستغني بذلك عن الشرع، وهو يختلف عن (الفِراسة) الذي هو حذق ركوب الخيل. وإذا ما اجتمع بالمرء الأمران (الفِراسة) و(الفَراسة) فهذا نور على نور، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، بصيرة في القلب، وقوة في البدن لمنازلة أعداء الله في الجهاد. والخسارة من حرم الأمرين.
هذه (الفِراسة) هي ما يسميه العلماء بالفِراسة الإيمانية، وهذا يكون بحسب قوة الايمان، فمن كان أقوى إيمانًا فهو أحد (فِراسةً)، فمن غرس الايمان في أرض قلبه الطيبة الزاكية وسقى ذلك الغرس بماء الاخلاص والصدق والمتابعة، كان من بعض ثمره هذه (الفِراسة)، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(اتقوا فِراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، ثم قرأ قول الله تعالى: إن في ذلك لآيات للمتوسمين) (رواه الترمذي)، وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم)(رواه الطبراني في الأوسط).
وأصل هذا النوع من (الفِراسة)، من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد (فِراسة) تخطئ، قال الله تعالى:(أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (كتاب: العقيدة الطحاوية) للإمام الطحاوي.

جامعة ملايا ـ ماليزيا