د. حميد بن محمد البوسعيدي:يأتي هذا المقال متزامنا مع الأحداث المريرة التي مرت بها بلادنا الغالية عمان، وما أدراك ما إعصار "شاهين" فهو لا يختلف عن الأعاصير السابقة مثل "جونو" و"فيت" وإن اختلفت الأسماء فهدفهم واحد هو الدمار والتخريب، لكن لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.هناك دراسات استشارية، تم إعدادها في أعوام سابقة، فيما يخص محافظة مسقط تتعلق جلها في محاولة إيجاد حلول تعمل على درء مخاطر الفيضانات والانواء المناخية. حيث قامت بلدية مسقط بإعداد دراسة متكاملة لعمليات تصريف مياه الأمطار ووضع حلول لانسيابية مياه الأودية حيث أسند العمل لجهة استشارية في عام 2013م، بعد الأضرار التي خلفتها الامطار الغزيرة على محافظة مسقط وما تبعتها من خسائر مادية. كان من ضمن أهداف تلك الدراسة إيجاد شبكة أو نظام هيدرولوجي لتتبع مسارات حركة مياه الامطار. أيضا دراسة استشاريةأخرى، قامت بها بلدية مسقط هدفت الى عمل حماية بنسبة 100% من الفيضانات جراء هطول الأمطار أو أثناء الأنواء المناخية. وما سبق تلك الدراسات هو ما تضمنه من اختصاص أصيل لوزارة موارد المياه التي أنشأت في 1989م، وهو العمل على تشغيل وتطوير وصيانة شبكات المراقبة الهيدرولوجية والهيدروجيولوجية بالسلطنة. في الجانب الآخر، أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في 2009م الحاجة الى اتباع نهج متكامل لإدارة الفيضانات بهدف الحد من المخاطر المتعلقة بسوء إدارة المياه السطحية والتكيف مع تغير المناخ. وهناك دراسة بحثية في عام 2021م، نشرت في إحدى الدرويات العلمية قبل ثلاثة أشهر من وقوع إعصار شاهين، كان أحد باحثيها أستاذ بجامعة السلطان قابوس، حيث خلصت الدراسة أنه مع تغير المناخ وظواهر الطقس الشديدة وزيادة أعداد السكان، فإن المناطق الساحلية لمحافظة مسقط خاصة التي على الساحل وبعض المناطق الباطنة القريبة ايضا من الساحل معرضة للاعاصير المدارية التي قد تتسبب في إحداث وفيات بين السكان وأضرار بالغة بالبنية التحتية وتأثر بالغ بالأنشطة الاقتصادية. مع كل تلك الدراسات التي قامت بها بعض مؤسسات الدولة والتي أوكلت الي مكاتب استشارية عالمية وكلفت مئات الآلاف من الريالات فإن ما تم تنفيذه على أرض الواقع يعتبر قليلا مقارنة بما خلفه إعصار شاهين.في الجانب الآخر، فإن ما حدث في ولايات محافظ الباطنة المتضررة والمناطق الساحلية لمحافظة مسقط حتى تلك المدن التي منحت تصنيف المدن المتطورة تخطيطيا على سبيل المثال مدينة القرم، فهي أيضا لم تسلم من التراكم الهائل لكميات الأمطار ودخوله للمنازل والمجمعات التجاريةالذي أحدث تأثيرا في البنية التحتية. تلك الأضرار المادية الجسيمة تعطي رسالة واضحة بأن التخطيط العمراني لجميع محافظات السلطنة يحتاج الى إعادة نظر من حيث الحاجة الى أن يكون هناك تغيير جذري في آليات تخطيط المدن والمناطق السكنية وأيضا الحاجة الماسة الى إيجاد معايير جديدة يتم فيها تطبيق الأنظمة الهيدرولوجيةالمتعارف عليها في تحديد كثافة ومسارات تصريف الأمطار والأودية والسيول الجارفة وقد تكون الدراسات السابقة وخطة التنمية العمرانية معينا في ذلك.كما أن أغلب المخططات السكنية بمحافظة مسقط وبعض ولايات الباطنة المتضررة نقول بأنها لم تعالج ولو بنسبة مقبولة شيئا ما، فيما يخص تصريف كميات الأمطار حيث إن هناك عددا كبيرا من المنازل المتأثرة بدخول كميات كثيرة من الأمطار لم يتم بناؤها بحيث يكون الطابق الأول مرتفعا ارتفاعا مناسبا عن مستوى سطح الأرض وبالتالي وأن تكاثرت الامطار حولها فإنها قد تقاوم بعض الشيء. هذه الطريقة في رفع مستوى المباني بالنسبة للطابق الأول لا تحتاج الى معايير هندسيةفي أساليب البناء أو الى تصميم متميز لخرائط البناء وإنما الى ضوابط استرشادية ملزمة من الجهات المعنية بالإسكان والبلدية نتيجة لما شاهدوه من أحداث مؤلمة بعد إعصار جونو الذي حدث قبل 15 عاما. أيضا إذا اتجهت الى بعض الطرق والشوارع الداخلية في المعبيلة على سبيل المثال، فتجد مستواها السطحي يعلو كثيرا مستوى البيوت فهي في انخفاض والشارع الذي يحاذيها في ارتفاع فماذا تتوقع في هكذا تخطيط في حال هطول أمطار غزيرة جدا وليس أعاصير طبعا سوف تكون البيوت مكانا خصبا لدخول كميات كبيرة من الامطار للمباني السكنية.ولكي نكون منصفين ففي الجانب الآخر بعد إعصار "جونو" كانت هناك مبادرات تخطيطة قامت بها بلدية مسقط فيما يخص الشوارع جديرة بالذكر فاسأل طريق وادي عدي – العامرات. هذا الطريق تم تصميمه وفقا لأعلى معايير السلامة المروية وبشكل يتلافى جريان الأودية بشكل هندسي رائع. عليه فالجهة التي أشرفت على تخطيط طريق وادي عدي العامرات هي الجهة التي أشرفت على تخطط المناطق السكنية بمحافظة مسقط ولكن المقارنة صعبة حيث كانت أغلب الطرق والشوارع بالمحافظة عاجزة في الحد من تصريف مياه الأمطار بطريقة تمنع دخولها للمباني والمجمعات التجارية.الجميع يتأمل في استحداث معايير علمية وهندسية في أساليب حماية السكان من آثار الأعصاير المدارية والفيضانات التي أصبحت تشكل عائقا للتنمية الاقتصادية وتخريب البنية التحتية التي صرف عليها مئات الملايين من الريالات وما يصاحب تكرار تلك الانواء من تهديد لحياة السكان. ولعل الكل يقدر عاليا التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه - التي وردت ببيان مجلس الوزراء والتي أكدت للجهات المختصة بالعمل على التكامل في التخطيط السليم للمخططات السكنية وأن يتم تأهيل ما تضرر من بنية أساسية بحيث تكون أفضل مقاومة لمثل هذه الأنواء المناخية التي قد تحدث في المستقبل لا قدر الله.* [email protected]