مسقط ـ «الوطن»:
(أحكي حلمي لنجمة، وأسألها: هل طلبتُ المستحيل)، بهذا الاستفهام، تستهل الكاتبة الدكتورة عزيزة الطائية، ديوانها الشعري الثاني (نجمة الليل الأخيرة) الصادر عن دار خطوط وظلال في الأردن، وهو عبارة عن نصوص تتراوح في انتمائها أجناسيا بين قصيدة النثر، والهايكو.
تهدي الكاتبة مجموعتها الشعرية إلى (نجوم السماء الرحيمة، التي تضيء عتمات الأرض) وتستفتحها ببيت الشاعر الجاهلي امرئ القيس:
(فيا لك من ليل كأن نجومه بأمراس كتّان إلى صمّ جندل).
غلاف الديوان، رؤية بصرية للفنان الأردني محمد العامري. وعبرت لوحة الغلاف بدقة عن ثيمة النصوص التي بني عليها الديوان. وهي ثيمة تعالج قضايا إنسانية لها علاقة وطيدة بما آل إليه العالم البشري: سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا. وما يعاني منه الإنسان العربي بالأخص من حروب وبطش وظلم على مستوى إنسانيته.
مجموعة (نجمة الليل الأخيرة) تتألف من عشرة نصوص تتراوح في عددها وطولها، وهي نجمة في الظل (قصير منفرد) تختاره ليكون على ظهر الغلاف، وهو نص جسد برؤية بصرية من مصمم الغلاف، وحنين إلى المجهول (منفرد من شطرين)، وهذه الليلة شبيهة بالموج (منفرد يتألف من ثلاثة مقاطع)، وقناديل أضاءتها العتمة نص طويل مرقم يتألف من (نصوص متعددة المقاطع بين المتوسطة والطويلة، تتألف من خمسة وعشرين نصًا)، والليل في رحلته الوحيدة نص مرقم بمقاطع (متوسطة الطول، وتتألف من ثلاثين نصًا)، والنجوم في صلاتها الأخيرة وهي نصوص قصيرة جدا (تنتمي لشعر الهايكو، وقد تم أبجدتها مسلسلة بـ (أبجد هوز حطي كلمن)، وأغنية النورس الأخيرة (نص منفرد من مقطعين) وبه تشارك حيوات الطبيعة وجع الإنسان في رحاب فضاء ضبابي، وليل ليس له آخر (خمسة نصوص يتراوح كل منها بين مقطع ومقطعين) وتدل على العتمة غير المحمودة التي تسيطر على الفضاء، وشغف القمر المضيء (عبارة عن نص واحد تتخلله الفراغات في ثلاثة مقاطع) وبه رؤية نحو أمل غير خادع ولا مخدوع، ونجمة تصافح الغيم (نص طويل تتخلل مقاطعه الفراغات) وهو نص يجسد تشظي البوح الإنساني وتجذره على مستوى العالم المراوغ.
في نص (نجمةٌ في الظل) تكتب عزيزة الطائية:
هل أدركتْ
نجمةُ الليل
- وهي..
في صلاتها الأخيرة
أنّ ما يحدثُ لكوكبنا
هروبٌ إلى السّماء؟!
وفي نص (قناديل أضاءتها العتمة) تكتب ضمن مقاطع متعددة:

تمتلكين وجها يسقي ثمار الموت
حين يبتسم مواجهًا الحياة.
من مرآة الليل الفضية
لمعت عيون النجوم
كبحيرة
يصلي فيها القمر.
صيادو السّمك يسرحون شباكهم
يترنمون بحكاية عروس البحر.
رميت بمرآة
عليها بقعًا حمراء
تناثرت على فراشي.
وفي نص (الليل في رحلته الوحيدة)، تكتب :

هل أدركت أمي
حين أهدتني شالها
أنّ حكاياته الذّهبية
سوف تطير بي
إلى منزلنا القديم؟!!
- ومن نصوص الهايكو التي حفل بها الديوان، نص (النجوم في صلاتها الأخيرة)، وفيه تقول:
(أ‌) أقرأ بين النجوم
الروائح في الغياب
أكثر جمالًا!
***
(ب‌) مطرٌ غزيرٌ
يذكرني بغريب
بين المقابر.
(ج) مع نسمة أيلول
أتصفحُ مذكراتي
أمام غرباء المقبرة!
فيما تكتب في نص (ليل ليس له آخر)، وهو من نصوص الهايكو:

أحتمي بنخلةٍ
هرمة
كغيمةٍ ماطرةٍ
تسافرُ إلى المنفى
حيث السّفوح
الباكية
من الضّياء المسافر.
في قراءته للمجموعة، يذكر الشاعر والأديب العماني سماء عيسى، أن كلمات ومعاني مجموعة “نجمة الليل الأخيرة” لعزيزة الطائية تنم عن شاعرة صادقة ونبيلة، تملك صدق التجربة وجديتها، والمجموعة جاءت وكأنها قصيدة طويلة واحدة، مناخها مأساوي، وتضيف إلى مجموعة الكاتبة الأولى تجربة جديدة تتميز بالرهافة والدقة والعذوبة، مع مفردات الكون؛ خاصة الطبيعة: كالشجر والمطر والريح والورق والطير والبحر والموج... إلخ. وهي زاخرة كالمجموعة الأولى بمشاعر الفقد والغياب.
الجدير ذكره، أن المجموعة الأولى للكاتبة الدكتورة عزيزة الطائية حملت عنوان “خذ بيديّ فقد رحل الخريف” وقد فازت بجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية، فئة الشعر الفصيح، في دورتها الثانية لعام 2018- 2019م.