عادل سعد:
بينما ظلت القوة الاكتساحية الضاربة لإعصار شاهين محط الانتباه والتداول الإعلامي الواسع خلال الأيام الماضية من الأسبوع الحالي، ظلت الإرادة العمانية العامة لمواجهته بمستوى الاختبار الميداني الذي يتطلبه هذا التحدي الصادم، مشاهد إخلاء لتأمين السلامة والمأوى والاطمئنان، استنفارات للتعامل مع السيول الجارفة ليس فقط بالنسبة للجهد الحكومي، وإنما أيضا للإرادة المتوافرة لدى المواطنين العمانيين لتقليل الأضرار.
لقد بيَّنت الأحداث وجود تطور لافت في ثقافة الطوارئ وارتفاع مستوى الاستنفار لدى الأغلبية العظمى من العمانيين قياسًا بشدة العصف والأمطار الغزيرة التي كان من شدتها أن تضاعف الخسائر، غير أنه تم احتواء تلك الشدة بكفاءة واضحة.
إعصار شاهين هو من عائلة الأعاصير المدارية جونو، فيت، نيلفور، تشابالا، ميغ التي تتحول تدريجيًّا إلى عواصف مدارية مع طول ذراعها، وهي تمور تحت ضغط متغيرات مناخية متلاحقة أخذت تطبع البيئة العالمية بالمزيد من المفاجآت نتيجة اختلالات حرارية أجمع الخبراء على وقوعها في إشارات معروفة شخّصَ بعضها مؤتمر باريس للمناخ.
لقد سبق لي أن كتبت هنا في صفحة آراء عن ثقافة الطوارئ عام 2007 عندما ضرب إعصار جونو السواحل العمانية وخلّفَ دمارًا وضحايا، وأشرت بالمزيد من الأهمية إلى المواجهة الميدانية في التعاطي مع الغضب المناخي تحسبًا ومعايشةً، وإذا كان لي أن أضيف الآن، فإن ما ينبغي اعتماده أن هذا القَدَر المناخي يتطلب تحديًا منظمًا ينبغي أن يراكم حيوية المواجهة.
في كل الأحوال لا مناص لأي مواطن موجود في عين الإعصار من تكوين غرفة عمليات في ذهنه يتوخى منها سرعة التعاطي مع الحالة الطارئة والتقاط الأولويات والاستجابة الحاسمة للتعليمات التي تصدرها الجهات الحكومية المعنية بتفكيك قوة المباغتة المصاحبة للإعصار. وإذا كان من الأولويات تقديم كشوفات بالخسائر التي تسبب فيها، فإن من الاستحقاق أن يشار إلى التطور الذي حصل في الاستعدادات اللوجستية لاحتوائه تأسيسًا على مجموعة من الحقائق الميدانية.
إن حضور فكرة الاستعداد والمواكبة مع الحالات الطارئة قطعت أشواطًا مهمةً ضمن الرصيد البيئي للعمانيين، وإذا كانت مشاغل البلاد قد اتسعت في التصدي للحدث، فإن الأيام المقبلة تقتضي إعادة تقييم كل الإجراءات التي اتخذت، أين اكتمل النجاح؟ وأين أخفقت المساعي؟ وأي معالجة كانت غائبة، أو دون المستوى المطلوب؟ وكيف كان حجم التعاون بين الجهات الحكومية والمواطنين؟
من الأسبقية بمكان أن تستعيد السلطنة فرصة التعافي المجزي ضمن معايشة وطنية تأخذ بالاعتبار تكوين رصيد معرفي توثيقي إضافي ينضم إلى رصيدها اللوجستي المخصص لمواجهة المتغيرات الطقسية الحادة.
يقول الصينيون (العاصفة لا تعرف القراءة) فكيف تكون الحالة إذا كان الحدث إعصارًا.
لا شك أن نتائجه تحتاج إلى المزيد من المراجعة والتبصر، وأن يتم تعميم محتواها على صعيد كل البلاد حتى إلى المناطق التي لم يُصبْها منه إلا القليل.
المشاركة في التقويم والإحصاء مسؤولية الجميع في المرحلة القادمة، بما في ذلك رسم خريطة طريق للتعاطي النفسي مع نتائج الحدث، على أن يشمل ما كان خارج التغطية، وعندها تكون المراجعة قد رسمت إضافات نوعية للمشروع العماني البيئي.
إن هناك المزيد من الرصيد التضامني للتعجيل بنقاهة البلاد لكن الكلفة التي تسبب بها الإعصار لا تلغي التطلع إلى مبادرات تطوعية مدنية إضافية بمستوى راجح لكي تكون البلاد أقوى استعدادًا في المستقبل لحالات طارئة من هذا النوع.
بقراءة ميثولوجية (لا يصنع البحر الهادئ بحَّارةً أصحابَ خبرةٍ)، كذلك الحال، لو كانت بلاد عُمان تخاف البحر ما كان لها هذا الرصيد التاريخي العريق في التعايش معه.