محمد الخليلي:
التخميس نوع من الشعر قد يلجأ اليه بعض الشعراء لأسباب مختلفة ولكن السبب الجامع هو حبهم للشعر وافتتانهم به، وفي معظم الأحيان فإن التخميس يكون من شاعر أعجب بقصيدة شاعر آخر فأراد أن يكتب مثلها مجاراة للشاعر فوجد ضالته في التخميس الذي يعطيه الفرصة الكاملة لإثبات قدرته على مجاراة تلك القصيدة.
خالد المعمري:
فن التخميس ظاهرة شعرية برزت في فترة متأخرة من تاريخ الشعر العربي ثم أخذت في التراجع أخيرا، ولعل من أسباب ازدهار هذا الفن هو الولع الكبير بنماذج شعرية من الشعر العربي.
نورة البادية:
التخميس مشتق من خمّس الشيء أو جعل له أضلاعا أو أجزاء خمسة، أي خمسة أشطر شعرية.. حيث يقوم الشاعر بنظم ثلاثة أشطر على الشطرين الرابع والخامس لشاعر آخر.. وقد يضيف شطرا وهنا يسمى التثليث أو يضيف شطرين وهنا يسمى التربيع.. ثم التخميس ثم التسديس وهلّم جرا.
عائشة الفزارية:
فن التخميس وعموم المسمطات الشعرية في الشعر العُماني ظاهرة أدبية متوارثة وليست وليدة اليوم، وتسميط القصيدة أو تشطيرها أو تخميسها بمعنى توليدها أو توليد أشطر بها وهو أن تأتي بقصيدة قديمة وتولد منها أشطرا جديدة لتجعلها خمسة هذه هي التي قد تكون ظاهرة.
منتظر الموسوي:
التخميس في الشعر العماني والعربي هو فنّ أصيل، كان وما زال يُستخدم في بعض الموارد، إلا أنه ليس واسع الانتشار بالرغم من انتشاره على نطاق الشعر العربي بشكل عام.

■■ مسقط ــ العمانية:
يعد فن التخميس من الفنون الشعرية المعروفة، والتخميس هو أن يُقدم الشاعر بيتا شعريًّا من شعر غيره، على نحو ثلاثة أشطر على قافية الشطر الأول، فيصبح خمسة أشطر؛ ولأجل ذلك سمّي تخميسا، ولطالما كان لفن التخميس في الشعر حضور أدبي وافر، منذ سنوات طويلة مضت، وتشير المصادر إلى أن فكرة
التخميس لم تكن موجودة في الشعر العربي القديم، وإنما أوجدها المولّدون؛ فهو إجمالا فن مستحدث، هنا نطرح تساؤلات، ترى هل يشكّل فن التخميس في الشعر العماني، اليوم ظاهرة أدبية شعرية؟ وألا يدخل فن التخميس في باب الصنعة، والتكلف، والنظم وربما يفسّر هذا تراجعه كفن وقلّة تعاطي الشعراء معه، باستثناء التقليديين؟... ■■

في البداية يطلعنا الشاعر الشيخ محمد بن عبدالله الخليلي على رأيه في فن التخميس وما إذا كان يشكّل اليوم ظاهرة أدبية شعرية فيقول: حسب رأيي فإن التخميس في الشعر بغض النظر عن قِدمه أو حداثته هو نوع من الشعر قد يلجأ اليه بعض الشعراء لأسباب مختلفة ولكن السبب الجامع هو حبهم للشعر وافتتانهم به، وفي معظم الأحيان فإن التخميس يكون من شاعر أعجب بقصيدة شاعر آخر فأراد أن يكتب مثلها مجاراة للشاعر فوجد ضالته في التخميس الذي يعطيه الفرصة الكاملة لإثبات قدرته على مجاراة تلك القصيدة التي تكون في العادة لشاعر معروف أو مشهور وكذلك تكون القصيدة، ولو أخذنا على سبيل المثال قصيدتي البردة والهمزية في مدح النبيّ محمد صلّى الله وسلم عليه وآله وصحبه للبوصيري لوجدنا أن مئات أو آلافًا من الشعراء خمّسوهما رغم طولهما وقوتهما وهم هنا يضربون عصفورين بحجر مدح النبيّ ومجاراة الشاعر الكبير.

وحول ما إذا يدخل فن التخميس في باب الصنعة، والتكلف، والنظم يقول الشاعر الخليلي: من واقع خبرتي في التخميس فإني وجدت فيه نوعًا من التدريب والتعليم على أساليب كبار الشعراء، وأعرف على سبيل المثال أن والدي رحمه الله خمّس قصيدة البوصيري البردة ثلاثة تخاميس مختلفة وهذا بسبب إعجابه الشديد بها، كما بدأ بتخميس الهمزية للبوصيري أيضًا وهو في أشد المعاناة من المرض فاضطر للتوقف عنها بعد حوالي 40 بيتًا بسبب أبياتها الموصولة التي تجعل التخميس صعبًا جدا وإن بعض المخمسين تفوقوا على الشعراء أصحاب القصائد المخمسة، ولعلي أذكر هنا مثالًا على ذلك شاعرنا الكبير الشيخ هلال بن سالم السيابي الذي خمّس لعدد من الشعراء المشهورين وفي رأيي فإنه إذا لم يكن قد تفوق عليهم فلقد كان ندًّا عنيدا، وقد أردت أن أقدح في نفسه زناد التحدي فقلت له إن التخميس سهل لأن لكل بيت قافية ولكن الامتحان في التشطير الذي يكاد ينشئ قصيدة مماثلة بنفس القافية فقام بتشطير عدد من القصائد المشهورة المعروفة لشعراء كبار فكان في التشطير كما كان في التخميس وهذا شأو لا يدركه إلا من كان على شاكلة الشيخ هلال السيابي وقليل هم.

للشاعر الدكتور خالد بن علي المعمري رأي قد يكون مغايرا في هذا الشأن حول فن التخميس في الشعر العماني عموما وما إذا كان يشكّل اليوم ظاهرة أدبية شعرية فيقول: إنّ فن التخميس ظاهرة شعرية برزت في فترة متأخرة من تاريخ الشعر العربي ثم أخذت في التراجع أخيرا، ولعل من أسباب ازدهار هذا الفن هو الولع الكبير بنماذج شعرية من الشعر العربي، دفع الشعراء إلى اختراع أساليب شعرية لمجاراة هذه النماذج ومحاولة استعادتها من جديد، وإبراز الموهبة الشعرية لدى الشاعر التي على منوالها يُثبت موهبته الشعرية، وتمكّنه الشعري والبلاغي، مما يدفعه إلى نحت ثلاثة أشطر شعرية وبنائها على بيت شعري سابق. ويشير المعمري في السياق ذاته إلى أن: فن التخميس من الفنون التي تحتاج إلى عناية فائقة في البناء والسبك، وهو ما يدخل في باب الصنعة والتكلف، والنظم أحيانا؛ إذ إنّ الشاعر مطالب ببناء نصه الشعري على نمط شعري آخر، وفكرة أخرى، وموضوع آخر، والاشتغال في دائرة الصناعة الشعرية ليتواءم ذلك مع جوهر النص السابق الذي يشتغل عليه الشاعر، وهذا في حد ذاته يحيلنا إلى سؤال آخر: هل يعدّ فن التخميس من فنون المسابقات الشعرية؟ ما دام أنه يدخل ضمن إطار إثبات النفس وإثبات القدرة، والمَلَكة الشعرية، وما دام أن الشعراء اختاروا في صناعته نصوصًا معينة تميل إليها نفوسهم، ومحببة إليهم. وحول ما إذا كان فن التخميس يدخل في باب الصنعة، والتكلف، والنظم وربما يفسّر هذا تراجعه كفن وقلّة تعاطي الشعراء معه يوضح المعمري رأيه صراحة فيقول: هناك أسباب عديدة جعلت هذا الفن لا ينتشر بصورة واسعة في الشعر الحديث، ولعل أساليب الشعر الحديثة، وتقنيات كتابتها من الأسباب التي أدّت إلى تراجع هذا الفن لاسيما لدى جيل الشباب من الشعراء الذين سايروا نمط القصيدة الحديثة، وتخطوا مرحلة كتابة المخمسات الشعرية، والمشطّرات، وقصائد الأسئلة والأجوبة، وغيرها من أنماط الكتابة الشعرية التي برزت في الشعر العماني والعربي في فترة من فترات تاريخه. كما أنّ تأطير الفن بعدد معين من الأشطر الشعرية له مواصفات محددة في الوزن والقافية والمضمون وله اعتبار قوي في عدم ازدهار هذا الفن، فإنّ الشعر انطلاق وتخيّل لا قيود.

وللشاعرة نورة الباديّة وجهة نظر كاشفة في شأن فن التخميس في الشعر العماني وما إذا كان يشكّل اليوم ظاهرة أدبية شعرية وتفيد في هذا الإطار بقولها: كغيره من فنون الإبداع تحول النظم الشعري وتفرع وتجدد واختلفت موازينه وتم تطويعه للخروج بأنماط جديدة ومختلفة من الشعر، وهكذا ظهر شعر المسمطات أو نظم الشعر في قالب معين وأسس محددة والتخميس من ألوان المسمطات.. وهو مشتق من خمّس الشيء أو جعل له أضلاعا أو أجزاء خمسة، أي خمسة أشطر شعرية.. حيث يقوم الشاعر بنظم ثلاثة أشطر على الشطرين الرابع والخامس لشاعر آخر.. وقد يضيف شطرا وهنا يسمى التثليث أو يضيف شطرين وهنا يسمى التربيع.. ثم التخميس ثم التسديس وهلّم جرا .. وفي فن التخميس تلبس القصيدة ثوبا مختلفا عمّا ألفه الفن الشعري من صدر وعجز وبحر ورويّ ومن التخميس انبثقت الموشحات التي كانت بداية ظهورها في القرن الثالث الهجري وانتشارها في القرن الرابع الهجري ... وقد انتقل التخميس من أدبنا العربي إلى آداب الشعوب الأخرى كالتركية والفارسية والأوردية حين انتشر الإسلام في تلك البلدان، وتضيف الباديّة: نود أن نشير إلى أن المولدين أوجدوا التخميس وهو يعد فنا شعريا مستحدثا إذ كان الشعراء إن أعجبهم بيت شعري أو ربما أكثر قاموا بمجاراته، فإما أن يشطّروا البيت أو يقوموا بمجاراة القصيدة كاملة، ومن ذلك أمثلة عديدة منها تخميس الشاعر الفلسطيني تميم مريد البرغوثي لأبيات المتنبي: أقول لدار دهرها لا يسالم وأوجه قتلى زينتها المباسم. كأن كلام أكثرهم كلام. (على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم)، ومنها الأبيات المشهورة للوأواء الدمشقي ودعتها ودموع البين قد دفقت والشوق حر لظى نفسي به احترقت. لما رأت سحب حزني والضنى برقت ( فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت.. وردا وعضت على العناب بالبرد). وحول ما إذا كان فن التخميس يدخل في باب الصنعة، والتكلف، والنظم، تشير الشاعرة نورة الباديّة إلى أن التخميس والتسديس وغيرهما مجرد محاولات لتجريب المختلف والاتكاء على شهرة وجمال أبيات او قصائد أبدعها شاعر آخر.. ولكن اتفقنا أو اختلفنا مع هذا النهج فهو حاضر ربما لن يصبح ظاهرة ولكنه يبقى اتباعه رهنا برغبة الشاعر نفسه وأسبابه الخاصة.. ومع احترامي لمن انتهج هذا النهج وبرع فيه لكني شخصيا لا أميل له، من وجهة نظري المتواضعة إن لكل إبداع شعري بصمته الخاصة ودورة حياته المتفردة فليبقَ كذلك، فأعذب الشعر ما كان متميزا متفردا وليد ومضة فكر ونبضة قلب وبوح روح.. وكل ما عدا ذلك هو تكلف لا طائل منه.. موجة مهما علت ستنحسر في النهاية. وتقترب الدكتورة عائشة الفزارية من حيث انتهى من سبقها من الشعراء عندما تؤكد أن فن التخميس وعموم المسمطات الشعرية في الشعر العُماني ظاهرة أدبية متوارثة وليست وليدة اليوم ، وتقول في السياق ذاته: تسميط القصيدة أو تشطيرها أو تخميسها بمعنى توليدها أو توليد أشطر بها وهو أن تأتي بقصيدة قديمة وتولد منها أشطرا جديدة لتجعلها خمسة هذه هي التي قد تكون ظاهرة أو قد يجمل أن تكون ظاهرة أو ربما قد يكون طبيعيا أن تكون ظاهرة في أي ساحة أدبية كلون من ألوان الترف الأدبي أو دعنا نقول كلون من ألوان المنافسة لأن المنافسة هي لون من ألوان الترف إن لم تكن ضرورة ولا يخفى أن الشعر كمثله من الفنون الأخرى أصبحت له تشكيلاته الفنية وتفرعاته والقصيدة ستبقى متجددة وسيتفنن المبدعون من الشعراء في تطويعها لأنماط جديدة متعددة لأن الأدب يقتضي الابتكار أو التنويع أحيانا. وحول ما إذا يدخل فن التخميس في باب الصنعة، والتكلف تفيد الشاعرة الفزارية قائلة: يبقى التخميس فنًّا جميلًا يستطيع الشاعر من خلاله أن يبرز ملكة جميلة فهو جميل كتابةً وجميل قراءة وأنا شخصيا يستهويني وأستلذ جميع ألوان التسميط، وتؤكد في حديثها على أنه يمثل اللعب على وقع المفردة: أحب التشطير وأحب التثليث والتربيع والتسديس والتسبيع وأحب التخميس في الشعر لأنه يبرز لونًا من المطابقات ولونًا من محاكاة شعر وما إلى ذلك، فأنا أرى له موسيقى جميلة والشعر العماني زاخر بمثل هذه الألوان أما التكلف والصناعة فيأتيان في كل أنواع الشعر اذا كان الشاعر غير متمكن أو غير موهوب بالمعنى الكامل للموهبة وقد يتكلف الشعر أيا كان نوعه أما الشاعر ذو السليقة والشاعر المتمكن وصاحب الإثراء اللغوي فسيجعل من التخميس متعة وسيضفي على البيت المخَّمس جمالية مما يجعل القارئ ينجذب إليه ويستمتع بقراءته أو سماعه لا سيما إذا كان البيت المخمّس مشهورا وسُبك سبكا قويا ووضعه المُخمِّس في مستوى البيت الأصل أو زاد عليه هذا الإبداع ومن هنا تأتي المتعة الحقيقية لهذا الفن الجميل “ فن التخميس “ الذي سيبقى ما بقي الشعر.

وللشاعر منتظر الموسوي رأي يتوافق مع رأي الشاعر الخليلي أعلاه، حول ما يشكّله فن التخميس في الشعر العماني، اليوم كظاهرة أدبية شعرية، وهنا يقول: التخميس في الشعر العماني والعربي هو فنّ أصيل، كان وما زال يُستخدم في بعض الموارد، إلا أنه ليس واسع الانتشار بالرغم من انتشاره على نطاق الشعر العربي بشكل عام. يُستخدم هذا الفن عادة مع الأبيات الشعرية التي يكون لها صدى وتحمل معنى جزلًا. في الواقع أظن أن الألق الشعري غائب عن هذا الفن بشكل عام، حيث إن أبيات التخميس غالبًا ما تكون عابرة ومحدودة الصدى. سعة اطّلاعي لم تمرّ على عمل يوثق أبياتًا شعرية في فن التخميس، وعلى الرغم من وجود محاولات متواضعة من بعض المؤسسات المعنية بالشعر لإحياء هذا الفن إلا أن هذه المحاولات لم تُوفّق. إن الوهج الشعري ينطلق من مخيلة الشاعر المفتوحة على مساحات الرؤى وسماوات الإبداع، وربما تكون قوالب فن التخميس الموضوعة مسبقًا سببًا في رفض الكيان الشعري لهذا التراث المغمور. أما عن انتشار هذا الفن في الوسط الشعري العماني فربما يمكن القول إن فن التخميس لم يتمكن من التعايش مع المدارس الشعرية الأخرى في عُمان، وذلك يتجلى في محدودية انتشاره في الوسط العماني. فطبيعة الشعر العماني منفتحة على مساحات واسعة وترفض الانغلاق في قوالب محدودة، وأعود لأقول إن القالب الذي يوضع فيه هذا الفن يشكل عائقًا يشبه الزنزانة للشاعر المنطلق على تفاصيل الوجود الشاسعة. أذكر أنني حوصرت في مسابقة أمير الشعراء بطلب اللجنة أبياتًا ارتجالية في فن التخميس في إحدى المراحل، إلا أن إلمامي بهذا الفن سهّل عليّ المهمة، وربما يمكن القول إن جدية الشاعر لا يمكن قياسها بنجاحه في ارتجال أبيات شعرية موضوعة في مكعّب ضيّق. وحول ما إذا يدخل فن التخميس في باب الصنعة يؤكد الشاعر منتظر موسوي
من خلال حديثه أن الفضاءات الخضراء التي يعيش فيها الشاعر العماني، أوسع بكثير من أزقّة القوالب الضيّقة وأشمل بمراحل ضوئية من دوائر مظلمة ترهق المخيّلة، ولذلك أرى أن الشاعر العماني يفضّل الانطلاق على التباطؤ، وذلك يتضح جليًا في ما يقدمه الشعر العماني من دواوين ومجاميع شعرية حيّة، وهذا في نظري أحد أهم أسباب غياب فن التخميس عن الوسط الشعري العماني.