د. سعدون بن حسين الحمداني:
يُعد كل من إتيكيت فن الحديث ولُغة الجسد صفتين متلاصقتين مع بعضهما البعض، وهما من أهم مكوِّنات كاريزما المرأة العربية بصفة عامة والمرأة العمانية خاصة، لأنهما يعكسان شخصية وثقافة وتربية المرأة، فالحديث من أهم ميزاته هو لُغة الجسد التي سوف توصل الفكرة إلى المستقبل أو المُرسَل إليه.
وتعتمد لُغة الجسد على مفاهيم لُغة الحديث وهي باختصار:
ـ علم المعنى والنحو: كل حديث يحتاج إلى مقدمة وبداية ونهاية، مستندًا إلى علم المعنى وفيه انتقالات واضحة في لُغة الجسد؛ لأن الانتقال من نقطة إلى أخرى مطلوب لغرض التشويق والاسترسال بالأفكار حتى يتابعك الطرف الثاني ولا ينصرف عنك من خلال عينيه.
ـ فن الكلمة: يتميز المحدثون المَهَرة بأنهم على درجة عالية من الوعي بالكلمات المهنية ولُغة الجسد التي يستخدمونها ومدى تأثيرها على المتلقي، فهم يتحدثون بقوة الكلمة وانفعالات الفكرة تجسدها معالم الوجْه وحركة اليدين، وهذا ما نلاحظه في سباق الانتخابات الرئاسية في مختلف دول العالم، ولذلك فنحن نصف دائمًا الشخص الذي يتمتع بهذه الميزات بأنه (دبلوماسي)؛ أي أن لديه قوة وعلم الكلمة المؤثرة ولُغة الجسد، حتى وإن كان إنسانا بسيطًا.
ـ تسلسل وتنظيم الأفكار: على المرأة العربية عدم القفز في الأفكار من موضوع لآخر وكذلك عدم الانفعال غير المحسوب، بل يجب أن يكون الحديث متسلسلًا بكلمات راقية ورقيقة التعبير وبلباقة اللسان ولُغة الجسد المتواضعة البسيطة التي تعكس رُقي ومثالية المتكلم التي تجلب المستمع إليه.
ـ لُغة الجسد ومهاراتها: استخدام لُغة الجسد وهي إحدى نظريات ثلاثية الشخصية (المعنى، الكلمة، الصوت) يساعدنا على الوصول إلى غايتنا بحُسن استخدامها والتحكُّم فيه وعدم المبالغة في استخدام اليدين وفتح العينين أو حركة الرموش لكي يصل المقصود من الكلمة إلى آذان المستمع بكل مقوِّمات النجاح، وهي لباقة اللسان والكلمة ويبقى المستمع منجذبًا لجمالية الحديث.
ويجب على المرأة العمانية بصورة خاصة الاهتمام كثيرًا بفن الحديث ولُغة الجسد؛ لكونه من أهم سمات الشخصية المثالية للمرأة العربية العصرية المتحضرة، والخروج من البوتقة التي عاشت فيها لسنوات طويلة.. وببساطة أقول: إن عليها الاقتداء بالسيدة الجليلة حرم جلالة السلطان المعظم ـ حفظهما الله ورعاهما ـ وجعلها المثال الأمثل لها بالحضور واختيار الألوان ولُغة الجسد، فهي قمة في إتيكيت فن الحديث ولُغة الجسد وإتيكيت الألوان، وهذا ما نشاهده خلال ظهورها على شاشات التلفاز العماني الرسمي في عدَّة أنشطة اجتماعية وإنسانية أو رسمية، نذكر منها: حينما تفضَّلت السيدة الجليلة بزيارة لمركز رعاية الأطفال الأيتام فكانت لُغة الجسد مُعبرة أكثر من أي كلمة أو حديث ولأن الطفل يفهم بلُغة الجسد أكثر من كلمات الشكر، حيث كانت قمة الحنان والمحبة من خلال الانحناء البسيط وتقبل باقات الزهور واحتضان الأطفال بكل معاني الحب والأمومة، حيث كانت الابتسامة الأنيقة المتواضعة منها قد ملأت أركان مركز رعاية الأطفال الأيتام، أما على المستوى الرسمي من خلال استقبالها لكبار الشخصيات فكان جلوسها الملكي على (نصف مقعد الكرسي، ولم يستند ظهرها إلى الكرسي نفسه) وتقاطع الأيدي فوق الأرجل احترامًا وتقديرًا منها للضيوف والاستماع إليهم بكل رحابة صدر والابتسامة الهادئة، بينما كان الوقوف باستقامة واستلام الدعوة من كبار الشخصيات وبدون انحناء والأذرع متلاصقة مع الجسم من السمات الجوهرية بفن البروتوكول والإتيكيت الخاص باستقبال كبار الشخصيات، وما تميزت به السيدة الجليلة أيضا اقتناؤها الإكسسوارات الفردية الأحادية، فهي في أغلب ظهورها لا تتباهى بكثرة الذهب والمجوهرات التي تقتنيها، وإنما شيء بسيط يتناسب مع الألوان وملابس المناسبة.
وتُعد هذه الأمثلة والسياقات نموذجا يُحتذى للمرأة العمانية خاصةً والعربية بشكل عام، في مجال عملها بمفردات لُغة الجسد، وهي تعمل مع مديريها وزملائها الموظفين بعيدًا عن التباهي والتكبر والإسراف في الزينة، سواء بالذهب أو الملابس المزركشة أو المطرّزة الغالية.. وغيرها من مظاهر المبالغة في لُغة الجسد والتي تنعكس سلبيًّا على الشخصية.
وفي الختام قال الله تعالى:(وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (الإسراء ـ 37)، وهي درس رباني بلُغة الجسد، يحثنا فيه سبحانه وتعالى على التواضع في المشي وفي كل مفردات الأخلاق والحياة اليومية، لذلك علينا الالتزام بالمشي البطيء والوقوف باستقامة مع قلة حركة اليدين، وعدم الانفعال والسيطرة على انفعالات عضلات الوجْه والعينين والرموش لغرض الظهور بمظهر يليق بثقافتك وتربيتك الإسلامية الراقية التي ندعو بالالتزام بها.

دبلوماسي سابق