د. يوسف بن خميس المبسلي:
أدَّى تفشِّي فيروس كورونا إلى تدهور في أسعار النفط، وتراجع الطلب العالمي على الطاقة من نفط وغاز طبيعي بسبب تخمة المعروض بالسوق العالمي. وبالرغم من الطرق التقشفية التي اتَّبعتها بعض الدول في إدارة أزمة انخفاض أسعار النفط، فقد خلَّف ذلك تبعات اقتصادية كبيرة، وارتفاعا حادا في الدَّين العام لكثير من الدول، وبخاصة تلك الدول التي تعتمد على الثروة النفطية كمصدر دخل رئيس لها.
إن التنوع الاقتصادي أصبح حاجة ملحة في المرحلة القادمة، والبحث عن مصادر دخل أخرى بديلة. ولعل من أبرز مؤشرات رؤية "عُمان 2040" والتوجُّه الاستراتيجي لها هو الاتجاه نحو بناء قاعدة متينة للتنوُّع الاقتصادي من خلال الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية غير النفطية في الناتج المحلِّي الإجمالي. وفي هذا المقال سنتطرق لِأحد القطاعات الرئيسة غير النفطية، وهو القطاع السياحي، حيث تُعد السياحة هي رابع أكبر صناعة في الاقتصاد العالمي. كما تلعب دورًا مُهمًّا في عملية التنمية الاقتصادية؛ لذا فإن تنمية القطاع السياحي بالسلطنة أصبحت من متطلبات التنمية الشاملة، كما يُعد هدفا رئيسا لتنويع موارد الاقتصاد، ويعمل على إيجاد العديد من الفرص الوظيفية.
ومما لا شك فيه، أن السلطنة تتميَّز بموقع استراتيجي مهم ذي طابع تضاريسي مميَّز، وبمقوِّمات سياحية وتاريخية وحضارية متعددة؛ حيث تزخر بعض المواقع خلال فصل الشتاء بصفات جمالية جذابة ومواقع أخرى تتميَّز بطابع جمالي خلال فصل الصيف. لذا فإن السياحة بالسلطنة لا تنحصر أو تتركز في فصل معيَّن، علاوة على ذلك توجد العديد من المواقع التاريخية والحضارية بمختلف مناطق السلطنة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
ووفقا للاستراتيجية العمانية للسياحة (2040-2016م) بأن تصبح السلطنة في عام 2040م مـن أهـم المقاصـد السياحية، وأن تجـذب أكثـر مـن 11 مليـون سـائح دولي ومحلي، والذي بدوره يؤدي إلى زيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل (6% ـ 10%). كما تقتضــي الاستراتيجية العمانيــة للســياحة على تطويــر أربع عشرة (14) منطقة مــن مناطــق الجــذب الســياحي.
ووفقًا للكتاب الإحصائي السنوي 2020 الصادر من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فإن مساهمة السياحة في الناتج المحلي بلغت نسبة 2.5% فقط عام 2019، ولا تزال تلك النسبة منخفضة جدا. كما أن التقرير الخاص بتنافسية السفر والسياحة 2019 للمنتدى الاقتصادي والذي يقيس مجموعة من العوامل والسياسات التي تمكن من التنمية المستدامة لقطاع السفر والسياحة، فإن السلطنة حققت المرتبة الـ58 عالميا، والذي يتطلب مزيدا من العمل لرفع مرتبة السلطنة إلى مراتب أعلى عالميا وعربيا.
وتماشيا مع أهداف الاستراتيجية العمانية للسياحة، فلقد أعلنت السلطنة مؤخرا في ديسمبر 2020 عن إعفاء رعايا 103 دول من تأشيرات الدخول إلى السلطنة لمدة عشرة أيام. وإذ يعد ذلك من القرارات الإيجابية لدعم القطاع السياحي وجذب العديد من السياح من مختلف دول العالم، إلا أنه توجد العديد من التحديات والتي قد تؤثر في نمو الناتج المحلِّي من القطاع السياحي. ولعل من أبرز تلك التحديات هو عدم توافر البنية الأساسية المتطلبة في مختلف المواقع السياحية. إذ تفتقر معظم المقاصد السياحية بالسلطنة لأهم المرافق الخدمية العامة والترفيهية والتي تُعد عناصر رئيسية للجذب السياحي؛ مما قد يتطلب من المعنيين بالسياحة بالسلطنة ضخ مزيد من الاستثمارات لتطوير تلك المواقع، وإيجاد بنية خدمية مناسبة من خلال تشجيع الاستثمار الداخلي وفتح باب الاستثمار للمواطنين للمشاركة في نمو القطاع السياحي في السلطنة وتبسيط الإجراءات التي تخصُّ الاستثمار في مجال السياحة.
من جانب آخر لا بُدَّ من وجود لوحة مؤشرات أداء دقيقة تعمل على قياس وتقييم أداء القطاع السياحي بالسلطنة. إن تأسيس نظام فعال بمؤشرات أداء واضحة يُعد أمرا ضروريا لقياس مدى التقدم في تحقيق رؤية وأهداف الاستراتيجية العمانية للسياحة. ويمكن استخدام بطاقة الأداء المتوازن والتي تُعد واحدة من أدوات الإدارة الاستراتيجية التي تساعد على ترجمة الاستراتيجيات إلى مقاييس أداء دقيقة، كما يتطلب ذلك وضع الخطط المناسبة لتحسين بعض المؤشرات ومقارنتها مع بعض المعايير والمؤشرات الإقليمية والعالمية في مجال السياحة. إضافة إلى ذلك، لا بُدَّ من التركيز على التسويق السياحي بشكل أكبر، إذ يُعد التسويق السياحي من أهم أدوات التنمية السياحية، فهو يلعب دورًا مُهمًّا في استقطاب السياح وتنشيط حركة السياحة. ولا يقتصر العمل التسويقي للجذب السياحي على تشجيع السياحة الداخلية فحسب، بل أيضا التركيز على التسويق السياحي الخارجي، وتسخير كافة الإمكانات للحملات التسويقية على المستوى الخارجي لمختلف المقاصد السياحية في جميع محافظات السلطنة.
وأخيرا، يمكن القول بأنه ما زال لدينا الكثير من العمل من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي من جعل السلطنة مزارا سياحيا مفضلا، وجعلها على رأس خريطة السياحة العالمية.

أكاديمي متخصص في العلوم المالية والاقتصاد