عادل سعد:
يظل عرضةً لاحتمالات التذبذب، وفي أسوأ الاحتمالات النكوس أي مشروع لا يأخذ بمسؤولية سد الفجوات المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى الانحدار، ولذلك قيل إن أحد متطلبات التدبير إجراء الفحص الكامل لتلك الاحتمالات من محتوى مراجعة قائمة على التوقع، بما في ذلك توقع حصول مشكلة خارج إرادة الخريطة المرسومة له.
إن الاشتغال الدائم على هذا التوجُّه صار لازمة ثابتة مهما كان نوع المشروع مع تباين نسبي في المتطلبات بين مشروعٍ وآخر.
لقد توافرت منذ ثمانينيات القرن الماضي أسس للتحرك في هذا الشأن وفق قياس ما يعرف الآن عالميًّا بعنوانٍ طريفٍ (القبعات الست) الذي تناوله الباحثان الأميركيان مايكل كروجرس ورومان تشابلر ضمن خمسين نموذجًا للتفكير الاستراتيجي.
الأصل في ذلك يعود إلى عالم النفس المالطي خبير التفكير إدوارد دي بونو صاحب أكثر من ثلاثين مؤلفًا في هذا المجال، وعمل مستشارًا لبعض شركات كبرى بينها، كوكا كولا وأريكسون.
سمات هذا النموذج تطبيقيًّا يتضمن ست قبعات ملونة، القبعة البيضاء خلاصتها تفكير تحليلي مجاله دراسة الحقائق المحيطة بالمشروع والجدوى منه، بينما تختص القبعة الحمراء بالمشاعر والملاحظات ومجمل الآراء، أما القبعة السوداء فمجال تناولها التفكير النقدي وتقييم المخاطر، في حين ينصب اهتمام القبعة الصفراء على التفكير التفاؤلي، وتختص القبعة الخضراء بالأفكار الداعمة، ويبقى المجال السادس للقبعة الزرقاء ومفاده المراجعة، بمعنى قياس الصورة الشاملة وتذوق حسناتها المتوقعة في ضوء تصورات القبعات الخمسة التي سبقتها إلى إعلان مفاهيمها.
بخلاصة تحليلية إضافية، لا يكفي وجود فكرة جيدة لديك وإنما عليك أيضا أن تستقطب الآخرين إليها من محتوى إشعارهم أنهم ليسوا بعيدين عنها، وليس الإيحاء أنك المتفضل عليهم بطرحها، وهنا يكمن سر مفهوم العمل الجماعي المؤسسي الذي بات الجميع بحاجة له حتمًا مع تعقُّد المشهد الحياتي على صعيد البلد الواحد، وعلى صعيد العلاقات الإقليمية والدولية في ظل مثبطات كثيرة جدًّا.
إن مفهوم الوجبة التفكيرية الجاهزة لم يعد لها مكان في عالم اليوم، وإذا كان إدوارد دي بونو صاحب هذا المفهوم قد بدأ يحظى بالانتباه إليه، وإذا كانت هناك مؤسسات ودول قد أخذت تعتمد أفكاره بحرفية عالية، وأضافت عليها بعض الخصوصية على وفق مجالات ضرورية، فإن ما يمكن خلاصته واقعيًّا أننا ما زلنا بعيدين بمسافات طويلة عن هذه الهُوية العملية، مسافات تمتد تحت وطأة النزعة الفردية التي تبحث عن زيادة تراكمية للأنا المغلقة على حساب المفهوم التشاركي في (صناعة العمل).
لقد كنت مساهمًا أو شاهدًا على العديد من الأفكار خلال نصف القرن الماضي وحتى الآن، وقد أتيح لي التعرف على مسودات أفكار كان يمكن لها أن تؤسس لمشاريع إنجازية عالية، لكن أغلبها ضاع تحت الطاولات بسبب نزعة التشاطر ونقص الإصغاء الأمين.
لقد حصل ذلك ضمن مسؤولياتي في ثقافة وإعلام الشباب، وطرحت ذلك في ورقة عمل عن مفهوم الصحافة الشعبية قدمتها خلال ندوة عقدتها منظمة الصحافة العالمية في عدن عام 1979 ثم كنت على مقربة من مشاريع خلال عملي في مجلة ألف باء، وبعدها في جريدة الثورة، وكذلك خلال عملي في المكتب الإعلامي التابع لوزير الثقافة والإعلام، وقد عاصرت حينها أربعة وزراء، حيث توزعت مسؤوليتي بين تحرير التقارير الإخبارية بشأن اجتماعات مجلس الوزراء، أو تحرير ما كان يصدر تحت عنوان تصريح ناطق إعلامي مخول.
في كل تلك المحطات كانت هناك مسودات أفكار ضاعت أو تلوثت ولا من يسأل عنها، بل إن أفكارًا مؤسسيةً خارج وظيفتي الحكومية ظلت مشاغل مشتركة مع بعض الأصدقاء.
لقد تقاسم ضغط المياه الراكدة الأحداث مع ارتفاع منسوب التسقيط الأمني والسياسي، وسيطرة قبعة وحيدة فوّضت نفسها المغالبة بمزاعم زائفة أنها تعرف ما في عمق البئر وما فوق غطائه.