يونس المعشري:
حينما تتسلل الكلمات من صوت الفنان مارسيل خليفة يدور في ذهنك مباشرة كيف كان وضع الشاعر الكبير محمود درويش وهو يكتب تلك القصيدة التي تقول ( أحن إلى خبز أمي .. وقهوة أمي .. ولمسة أمي .. وتكبر في الطفولة .. يوماً على صدر يوم .. وأعشق عمري لأني إذا مت .. أخجل من دمع أمي) ونحن نعيش أيام وليالي هذا الشهر الفضيل ، وكنت قد كتبت مقالا قبل ذلك عن الأم ولكن مهما كتبت وقلت فلن نوفيها حقها .. ففي كل يوم ومع اقتراب لحظات الغروب أشاهد أمي على سريرها وعينيها فيها التعب والوهن وفي كل مرة تردد يكفيني هذا العذاب وتنهمر دموعها .. لأبدأ في مواساتها بأن علينا أن نرضى بما كتبه الله لنا وقد يكون ذلك خيراً لنا ولا أحد يتمنى الموت ، ولكن المريض دائماً يعاني ويشعر بالضعف .. من هنا تعود بي الأيام عندما كنا صغاراً وما أن يطل مساء كل يوم في شهر رمضان لنجلس بالقرب من أمي لنأخذ منها أول خبزة وهي تارة تصنع الخبز (الرخال) برائحته الزكية الجميلة .. واليد الأخرى تصنع القهوة .. ومرة تنتقل لتعد الشوربة أو الكستر أو الدنجو (الحمص).. ثم تبدأ في إعداد وجبة العشاء وكل ذلك في منتصف السبعينيات على الحطب لم تكن تتوفر الوسائل المتعارف عليها الآن .. وتقوم بكل ذلك لوحدها خلال فترة العصرية من أجل أن تنهي كل شيء قبل أذان المغرب لنبدأ نحن نطوف بما صنعته أمي على بيوت الجيران ليشاركونا افطارنا والرد بالمثل منهم أيضاً ، لم تكن هناك عاملة المنزل لتساعدها كما هو الحال الآن في الكثير من البيوت ، عندما تتذكر تلك الأيام وكيف كانت صعوبتها وقساوتها على عوائلنا من أجل توفير لقمة العيش لنا وأن نعيش حياة يملأها الفرح والسعادة دون أن نشعر بأن شيئا ينقصنا ، فكلما جلست الآن قرب أمي التي تبدأ يومها من الساعة السادسة صباحاً على نفس الوضعية ولمدة 9 ساعات تقريباً وأشاهد ذلك الأنبوب تارة يدفع الى داخل الجسم والآخر يخرج ما بالجسم وهي عملية غسيل الكلى المنزلي أشعر بالندم والألم وكأن ما وصلت إليه اليوم نحن السبب فيه ، لتعبها من أجل تربيتنا والاهتمام بنا رغم إننا على يقين بأن كل شيء مقدر ولكن دمعة الأم غالية ، لأنها عيني التي أرى بها الدنيا وهي السراج الذي بنوره تضيء لنا الطريق ، ولو بقت عينيها تراقبنا ذهاباً وأياباً في البيت تشعرك بالأمان .. اللهم أشفي أمي وأمهات الجميع وكل من له أحباب وأصدقاء شفاء ليس بعده سقم أبداً .. اللهم خذ بيدها .. اللهم أحرسها بعينك التي لا تنام . وأكفها بركنك الذي لا يرام .. وأحفظها بعزك الذي لا يضام .. واكلأها في الليل والنهار .. وارحمها بقدرتك عليه .. أنت ثقتها ورجائها يا كاشف الهم .. اللهم أرحمنا جميعاً برحمتك يارب العالمين.

@AlmasheriYounis