تتيح المجال لحوكمة الشركات وحماية الاستثمار


كتب ـ عبدالله الشريقي:
أشاد عدد من المحامين بالقرار الصادر من الهيئة العامة لسوق المال الخاص باعتماد اللائحة التنفيذية لقانون الشركات التجارية الخاصة بالشركات المساهمة العامة، والتي جاءت متضمنة لكافة الجوانب التنظيمية المتعلقة بالشركات المساهمة العامة، مركزة على توفير الإطار التشريعي لكافة عملياتها وأنشطتها الدورية، مؤكدين بأن اللائحة جزء لا يتجزأ من المنظومة التشريعية في السلطنة كما أن إصدارها جاء تماشيا مع كافة التغييرات المعاصرة التي نشهدها اليوم، مشيرين إلى أن اللائحة تضفي المرونة الكافية لشركات المساهمة العامة بوضع خططها الاستراتيجية والاستثمارية بشكل أكثر حرية. كما أن صدور اللائحة بمثابة تعزيز للبنية التشريعية لقطاع سوق المال بشكل خاص وتعزيز للمنظومة التشريعية العمانية بشكل عام.
وكانت الهيئة العامة لسوق المال قد أكدت بأن العمل باللائحة التنفيذية لقانون الشركات التجارية الخاصة بالشركات المساهمة العامة الجديدة سيبدأ مع نهاية شهر أغسطس القادم.
وقال مهدي بن محمد اللواتي شريك مؤسس بمكتب مهدي اللواتي للمحاماة والاستشارات القانونية: اللائحة جاءت مكملة لقانون الشركات التجارية الأخير الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (١٨/٢٠١٩) وكان القانون قد أحال أو لم يشتمل على احكام تفصيلية معينة وهذا أمر طبيعي في أغلب القوانين، حيث يتم ارجاء الاحكام التفصيلية إلى اللوائح التنفيذية لما تتسم به اللوائح من مرونة وسهولة في التعديل اذا لزم الأمر وبهذا يمكننا القول بأن اللائحة الجديدة جاءت لتضع النقاط على الحروف، مؤكدا على أن اللائحة جزء لا يتجزأ من المنظومة التشريعية في السلطنة حيث إن صدورها يتماشى مع كافة التغييرات المعاصرة التي نشهدها اليوم. كما أنها تتسم بالمرونة الى حد ما مما لا يستدعي تعديلها خلال المرحله القادمة لمواجهة اي تغييرات قد تطرأ. كما شملت اللائحة على العديد من الاحكام التي تتيح استخدام وسائل التقنية الحديثة التي ظهرت مؤخراً وسمحت بالاستفادة من تلك الوسائل للتقليل من الاجراءات وسرعة الانجاز وتوفير الجهد والمال.
بنية تشريعية
وأضاف اللواتي: إن البنية التشريعية لقطاع سوق رأس المال العماني بنية متكاملة دائمة التحديث والتطوير، بفضل الجهود المبذولة من الهيئة العامة لسوق المال والجهات التشريعية الاخرى مثل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والبنك المركزي العماني وغيرها من الجهات، وصدور اللائحة الجديدة بمثابة تعزيز للبنية التشريعية لقطاع سوق المال بشكل خاص وتعزيز للمنظومة التشريعية العمانية بشكل عام.
وأكد اللواتي أن من ركائز رؤية عمان 2040 الرئيسية هي الحوكمة والأداء المؤسسي لكلا القطاعين العام والخاص، وصدور أي نظام تشريعي فاعل في هذه المرحلة وتطوير التشريعات والقوانين لتتواكب ورؤية عمان ٢٠٤٠ يدل على استيعاب السلطة التشريعية بضرورة ترابط المتغيرات السريعة التي نشهدها اليوم، حيث اشتملت اللائحة الجديدة في سطورها على عدة أسس ومبادئ مرسومة ومخطط لها في رؤية عمان ٢٠٤٠، مشيرا إلى أن القطاع التمويلي سواء المصرفي أو التأجيري له اثره المباشر في تحقيق التنمية الاقتصادية الا أن ذلك لن يتحقق في ظل غياب نظام تمويلي فاعل وذي استدامة مالية وأن تعزيز دور القيادة والادارة في قطاع التمويل ووضع انظمة حوكمة ورقابة واضحة وشفافة متواكبة والمتغيرات المعاصرة من أهم مقومات نجاح القطاع التمويلي والذي يكون له الأثر المباشر في تنمية كافة القطاعات الاخرى والتي من أهمها القطاع الصناعي والتجاري واللوجستي والسياحي وهي القطاعات التي نالت نصيبا وفيرا في رؤية عمان ٢٠٤٠، ومن جانب آخر فإن وجود منظومة تشريعية رقابية لترشيد وتوظيف موارد التمويل وتضمن للجهات الممولة عوائد التمويل ورؤوس الأموال يعد مقوماً آخر لنجاح القطاعات المستهدفة سواء كانت جهات تمويلية مقرضة أو جهات مستقرضة. كما أن رؤية عمان ٢٠٤٠ لم تغفل عن تنويع مصادر الدخل والاستدامة المالية وهنا دلالة واضحة على أهمية قطاع سوق المال ودور القطاع التمويلي في تحقيق اهداف رؤية عمان٢٠٤٠م.
وقال مهدي اللواتي: إن اللائحة كغيرها من التشريعات السابقة جاءت احكامها لتضمن حقوق صغار المساهمين وكبار المستثمرين كما أنها عززت من الشفافية والأمان في الاستثمار في قطاع سوق المال. فهناك قواعد افصاح وضوابط تعاملات الاطراف ذوي العلاقة وقيود على أعضاء مجالس الادارة ورقابة واشراف على الاعمال والممارسات التي تقوم بها الادارات التنفيذية وفقاً لمبادئ السلوكيات المهنية جاءت بها اللائحة لضمان الحماية للشركات والمساهمين. كما أن وجود كل هذه القواعد اضافة إلى دور الهيئة العامة لسوق المال الرقابي وصفة الضبطية القضائية الممنوحة لبعض موظفي الهيئة من شأنها ايجاد بيئة استثمارية آمنة لكافة شرائح المستثمرين.
وأشار مهدي اللواتي إلى أن اللائحة فرضت متطلبات حوكمة والتزامات جديدة على الشركات أو التأكيد على تلك المتطلبات من شأنه انعاش بعض القطاعات وايجاد فرص عمل والذي سينعكس اثره بشكل مباشر وغير مباشر في تنشيط الاقتصاد الوطني حيث ستحظى بعض القطاعات بفرصة للمساهمة في تفعيل أحكام اللائحة الجديدة.
تعديلات وضوابط
وأضاف: إن الاقتصار على الشخص الطبيعي فقط كان من أبرز التعديلات والضوابط في اللائحة للترشح لعضوية مجلس إدارة شركات المساهمة العامة حيث إن هذا التعديل يلاقي عدم قبول كبير وقد يكون سبباً في فقدان بعض الاستثمارات من قبل بعض المستثمرين. على الرغم من أن عضو مجلس الادارة في الشركات المساهمة يعمل لمصلحة الشركة والمساهمين ككل وليس لمصلحة جهة معينة أو لمصلحة المساهم الذي قام بترشيحه للعضوية، ألا أن عدم تخصيص مقعد للشخصيات الاعتبارية بمجالس الادارة قد يفقد تلك الشخصيات ثقة الاستثمار في الشركات المساهمة إلى حد ما كونها لن تحصل على مقعد في المجلس كما كان هو الحال عليه سابقاً. ومن جانب آخر قد يكون لهذا التعديل الآثر السلبي في التحليلات الاستثمارية حيث سيقوم محللو الاستثمار بعدم تشجيع المستثمرين بالاستثمار في شركات لا تخصص مقاعد للشخصيات الاعتبارية بمجالس ادارة الشركات المساهمة، كما سيكون لهذا التعديل الأثر على عدم وضوح رؤيه الشركة المساهمة وخططها المستقبلية بالنسبة للمستثمرين خصوصاً في ظل عدم وجود ممثل لتلك الشخصيات بالمجلس كما أنه من المتوقع عزوف بعض المستثمرين عن الاستثمار في الشركات المساهمة وشراء اسهمها في حال رغب احد المستثمرين في بيع اسهمه في شركة معينة، حيث كانت تتميز بعض تلك الأسهم بحق لصيق وهو المقعد بمجلس الادارة ألا أنه مع التعديل الجديد لم يعد هناك وجود لهذا المقعد. كما أنه من الممكن ان تتغير وجهة نظر اعضاء مجالس الادارة ولن تعكس رؤى المستثمرين كون أن العضو سيعمل بصفته الشخصية ولن يكون ممثلا للشخصيات الاعتبارية التي عينته ولن يكون لتلك الشخصيات الاعتبارية أي تأثير أو توجيه على العضو. وهناك قد تظهر اشكالية جديدة وهي استقالة العضو الممثل للشخصية الاعتبارية من الجهة الاعتبارية التي عينته ولن تستطيع تلك الشخصية التي قامت بترشيح العضو المستقيل منها باستبدال ممثلها في المجلس ولن يكون هناك أي التزام يجبر ذلك العضو بالانسحاب من العضوية بعد استقالته من الجهة الاعتبارية التي قامت بالتصويت له وترشيحه، بينما في السابق كان بإمكان الشخصيات الاعتبارية استبدال ممثلها متى ما رغبت.
وقال اللواتي: كما أن وجود ممثل للشخصيات الاعتبارية بمجالس ادارة الشركات المساهمة يعزز من التواصل الواضح والشفافية بين الشركة وكبار المستثمرين فيها ويعكس مصلحة كافة الاطراف، كما من شأنه محاسبة أو توجيه العضو بما يخدم مصلحة الطرفين (الشركة وكبار مستثمريها). وهي بمثابة وسيلة لتعزيز بقاء استثمارات الشخصيات الاعتبارية في الشركات المساهمة وكذلك تعزز من تبادل المعرفة والخبرات بين الشركة وكبار المستثمرين. آملا بأن تتم مراجعة هذا التعديل وضمان حصول الشخصيات الاعتبارية على مقاعد بمجالس ادارة الشركات المساهمة حتى يتسنى لتلك الشخصيات الاعتبارية المساهمة بفاعلية في مجالس ادارة الشركات المساهمة.
هيكل تشريعي متطور
من جانبه قال راشد بن محمد الراشدي الرئيس التنفيذي لمكتب الجدوى العالمية للاستشارات المالية وتدقيق الحسابات: جاءت اللائحة مكملة لقانون الشركات التجارية بهيكل تشريعي متطور ومفصل متضمن كافة الجوانب التنظيمية والمالية والتشغيلية والرقابية وكل ما يتعلق بالشركات المساهمة العاملة في السلطنة، حيث أبرز ما جاء في اللائحة المعتمدة توضيح أهمية النشر الإلكتروني وآليته بالإضافة الى تنظيم دور كل من لجان التدقيق والمراقب المالي والمستشار القانوني ومراقب الحسابات، الى جانب تضمنها فصلا منفصلا عن آلية اعتماد مراقب الحسابات للشركات المساهمة الذي يشترط أن يكون من بين مكاتب الحسابات المعتمدة لدى الهيئة العامة لسوق المال. كما اتسمت اللائحة بتحديد بنود واضحة حول آلية توزيع مكافآت أعضاء مجلس الإدارة مع تحديد الحد الأدنى وفق مستوى الأرباح التي تحققها الشركات.
مرونة
وأضاف: المتتبع لبنود اللائحة يجد أنها تضفي المرونة الكافية لشركات المساهمة العامة بوضع خططهم الاستراتيجية والاستثمارية بشكل أكثر حرية وتعتمد على اللائحة كإطار تشريعي ينظم العلاقة بين كافة الأطراف وبالدرجة الأولى يوفر الحماية لصغار للمستثمرين. كما أكدت اللائحة على الصلاحيات التي تتمتع بها الجمعية العامة للشركات المساهمة العامة في ادارة الشركة باعتبارها السلطة العليا وصاحبة الحق الأصيل في اتخاذ القرارات الاستراتيجية للشركة، وبالتالي يمكن القول بأن اللائحة جاءت بما يسهم في تعزيز الثقة ويبعث الاطمئنان ونأمل ان تنعكس هذه المعطيات بشكل ايجابي على السوق خلال الفترة القادمة.
وأشار الرئيس التنفيذي لمكتب الجدوى العالمية للاستشارات المالية وتدقيق الحسابات إلى أن هذه المراجعة للقوانين والتشريعات جاءت متزامنة مع انطلاق رؤية عمان 2040 والتي تسعى في اولوياتها الى تقليل الاعتماد على المشتقات النفطية وزيادة المشاريع الاستثمارية داخل السلطنة ومن هنا جاءت هذه اللائحة التي تتسم بالمرونة والشفافية لتحسين بيئة الاستثمار وتشجيع المبادرات وذلك بهدف تعزيز القطاع الخاص في النمو الاقتصادي للبلاد ورفع القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.
بدوره قال المحامي أحمد بن عبدالله الشنفري: إن اعتماد اللائحة التنفيذية لقانون الشركات التجارية الخاصة بالشركات المساهمة العامة جاء متوافقا مع خطة عمان 2040 الطامحة الى إيجاد بيئة استثمارية قوية تحفظ حقوق المساهمين وتحقق مكاسبهم. مشيرا إلى أن اعتماد اللائحة جاء متوافقا مع الخطة الخمسية العاشرة التي من أهم اهدافها الاساسية إيجاد البيئة الاستثمارية الجاذبة لرجال الاعمال من داخل السلطنة وخارجها، وكما هو معلوم أن قطاع سوق رأس المال قطاع متجدد وينمو عندما تكون هناك تشريعات قانونية متجددة ومتطورة تناسب كل مرحلة ولذلك أرى بأن اللائحة اتاحت المجال بشكل أكبر لحوكمة الشركات وفق تنظيم قانوني في كيفية اختيار الاعضاء واعتماد التقنية المتطورة في الاجتماعات وتنظيم المكافآت والاجراءات التي تحد من حدوث الفساد. وأضاف أحمد الشنفري: اللائحة هدفت إلى إيجاد البنية الأساسية المطلوبة للشركات لكي تتوافق مع رؤية عمان 2040 بعد الدراسة الشاملة للسوق وما تحقق خلال العقود الماضية، مؤكدا بأن نجاح شركات المساهمة العامة في تحقيق اهدافها سينعكس مباشرة على تحقيق الاولويات الوطنية المنبثقة عن رؤية عمان 2040 وكذلك على كافة شركات القطاع الخاص بشكل عام. وقال الشنفري: إن اشتراط تعيين وحدة التدقيق الداخلي أو تعيين مكتب تدقيق خارجي معتمد وكذلك اشتراط تعيين مستشار قانوني أو مكتب محاماة واستشارات قانونية معتمد مع تطبيق الحوكمة ومتابعتها كل ذلك يجعل المستثمرين في أمان وطمأنينة وسوف ينعكس ذلك ايجابا على السوق بشكل عام. كما أن اللائحة ستساهم في تحفيز القطاع الخاص فالقطاع دائما ينتظر من الهيئة ما يجعله يعمل في بيئة اقتصادية قوية واضحة ولذلك اتت اللائحة ملبية لذلك المطلب الاساسي الذي سوف يحفز الاقتصاد وينشطه بكل تأكيد.