[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
شكل بيان 11 آذار ـ مارس الذي وقَّعته القيادة العراقية مع القيادة الكردية عام 1970 انعطافة تاريخية في مسار الحركة الكردية، حيث أرست القواعد الجديدة لبيان آذار مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل بعد اعتراف بغداد بموجب الاتفاقية بالحقوق القومية لأكراد العراق، وحقهم في الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق.
ورغم الأجواء الإيجابية التي خيمت على أفق العلاقة بين بغداد وأربيل، إلا أن القوى الإقليمية والدولية التي وجدت في الاتفاق المذكور محاولة لتحقيق الاستقرار من خلال حل المسألة الكردية بالطرق السلمية، وهو الأمر الذي يتقاطع مع أهدافها الرامية إلى إبقاء العراق تحت وطأة الصراع وعدم الاستقرار.
ولم يكتب لبيان آذار وتجربة الحكم الذاتي النجاح والصمود أمام التدخلات الخارجية وخلاف الطرفين حول تفسير فقرات البيان ومراميه، الأمر الذي أعاد القضية الكردية إلى المربع الأول، وشهدت المرحلة التي أعقبت وقف تنفيذ إجراءات التطبيق لبيان آذار تصاعد الخلاف والصراع بين الطرفين والاحتكام للسلاح في فرض الإرادات رغم تأكيدات بغداد حرصها على التمسك ببنود الاتفاقية.
وشهدت العلاقة بين بغداد وأربيل تعقيدات سياسية وعدم استقرار ولغاية خواتيم حرب الخليج الثانية عندما زار وفد كردي برئاسة رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني بغداد عام عام 1991 والتقى الرئيس الراحل صدام حسين، حيث قدم العراق صيغة متطورة للحكم الذاتي لأكراد العراق، غير أن التوصل إلى التوقيع على اتفاق جديد قد طال مع تضارب الأنباء حول مسار الاتفاق ورغبة الأكراد في ضمانة دولية لتنفيذ بنود الاتفاق الجديد.
في حينها تمكنت من الوصول إلى مسعود البرزاني وأجريت معه حوارا حول مسار المباحثات مع الجانب العراقي وموقفه من الشائعات التي كانت تتحدث عن موقف كردي يطالب بضمانة دولية قبل التوقيع على أي اتفاق جديد مع بغداد وكان رده "إن صدام حسين هو ضمانة الكرد في أي اتفاق مع الحكومة المركزية".
ومرد هذا التاكيد يعود إلى حملة التشكيك بالموقف العراقي إزاء مسار المفاوضات مع الوفد الكردي، لا سيما أن الحملة ركزت على أن سبب تأخير إعلان الاتفاق بين الجانبين يعود إلى مطالبة الكرد بضمان الأمم المتحدة لأي اتفاق مع الحكومة.
وكانت الشائعات تشير إلى أن الوفد الكردي يرفض التوقيع على الصيغة المطورة للحكم الذاتي، ويشترط ضمانة المجتمع الدولي وخصوصا مجلس الأمن، الأمر الذي نفاه البرزاني ونشرت نص الحوار مع صورة جمعتني معه في مجلة ألف باء العراقية التي كنت أعمل فيها وقتها.
ومنذ ذلك التأكيد وحتى الآن، لم تستقر العلاقة بين بغداد وأربيل، وبقيت الخلافات متراكمة، الأمر الذي دفع البرزاني لإجراء استفتاء في كردستان عام 2017 في أربع محافظات بالإقليم هي: أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة، فضلا عن محافظة كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها بين الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد يحدد فيه الشعب مصير علاقته المستقبلية مع بغداد الذي كانت نتائجه لصالح تقرير المصير، وهو ما رفضته الحكومة العراقية وعدَّته بمثابة انفصال إقليم كردستان عن العراق وتهديد لوحدة العراق .
ويعتقد الأكراد أن بغداد تحاول تكريس سلطة المركز والاستئثار بالقرار السياسي على حساب سلطة كردستان، لا سيما تطبيق بنود المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، فضلا عن "مرجعية القوات المسلحة وتسليح البشمرجة الكردية بأسلحة متطورة، وتهرب الحكومة من تنفيذ بنود المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، وحسم عائديتها، فضلا عن رواتب البشمرجة وحصة الإقليم من الموازنة المركزية هي أبرز الخلافات مع بغداد".
وتنازع الصلاحيات بين المركز وإقليم كردستان كان وما زال موضع قلق وخلاف بين الحكومة المركزية وسلطة إقليم كردستان، والخلاف المحتدم حول عائدية المناطق المتنازع عليها ومرجعية القوات المسلحة أدى إلى الانقسام حول آلية التعاطي معه في ظل أزمة سياسية.
إن تنازع الصلاحيات بين بغداد وأربيل في ظل غياب الثقة بين الطرفين يعزز المخاوف من مخاطر بقاء الحل مرهونا بالمساومات والصفقات السياسية، وميزان القوى بين بغداد وأربيل، الأمر الذي قد يبقي أزمة الثقة ومفاعيلها السياسية تخيم على المشهد السياسي.