رفيف بنت عبدالله الطائية:
الموشح الأندلسي فن من فنون الأدب العربي (الشعر)، وظهر هذا النوع من الفن الشعري في حقبة العصر الأندلسي.
ويتميز هذا اللون من الفن بسمات ميزته عن غيره من فنون الشعر العربي، وخاصة أنه ظهر في حقبة مختلفة واختفى شعراؤه بانتهاء هذا العصر.... ومن أهم ما يميز الموشح الأندلسي أنه انفرد بخاصية اقترابه من الفن الشعبي؛ حيث تتركب فيه الكلمات السهلة بشكل مجازي وبلاغي متناغم وموسيقي جميل محبب وقريب للنفس، فهو فن السهل الممتنع، وقد ظهر هذا اللون الأدبي في الحقبة التاريخية للعصر الأندلسي، والذي امتزج فيها الفن الشرقي مع الفن الغربي فيما بعد، فلهذا العصر مميزاته التاريخية الكثيرة والمميزة ومنها تاريخ الأدب الأندلسي.
والموشح الأندلسي من أكثر أنواع الشعر التي تتداخل مع نفسية محبي فن الشعر والقاريء له، فهو ليس فنا شعريا فقط بل امتزج مع الفن الغنائي والموسيقي، ومن خلال هذا الشعر يتبدى للقاريء البعد النفسي للشاعر من خلال مخاطبة الشاعر لذاته بمعنى مواجهة ذات الشاعر نفسه لنفسه مع ادخال ذات أخرى يحاورها، وفيه مخاطبة الروح للروح، أُعِدُ هذا الفن فن تآلف الأرواح وفن مخاطبة الذات، حيث أرى أنه له بُعد نفسي أكثر من كونه فنا من فنون الأدب العربي لذا أحببت أن أخصص جزءا بسيطا عن الموشح الأندلسي في طيات عمودي الصحفي، وذلك لأني أرى أنه مهارة من مهارات تنمية وفهم الذات.
هو فن له عائد نفسي ووجداني وليس مجرد عائد حسي في التذوق الشعري، حيث إنه يحاور الذات ويخاطب الروح، لإيصال رسالة لذات أخرى عن طريق الموشح، ببساطة هو حوار ذاتي بين الذات والروح، وهو مواجهة حوارية متناغمة الكلمات والمعاني.

وما يهمني عند طرح موضوعي ليس كون الموشح الأندلسي فنا من فنون الأدب العربي أو فنون الشعر العربي الممتزجة بالطابع المتناغم بل ما يهمني هو البعد النفسي الوجداني لهذا اللون من الشعر، فأنا لست ناقدة أدبية أو شاعرة ولكن لي رؤية شعورية ونفسية لهذا النمط من الفن الشعري.

هذا اللون الشعري الذي يهيم بك في عالم الخيال هو أقرب للجانب الروحي والنفسي من حيث قربه للوجدان، والحس الموسيقي المتناغم الكلمات والأبيات الشعرية المتوازنة ما بين السهل والممتنع، مخاطبة الروح بدقه وعمق، ومواجهة ومحاورة الشاعر لذاته بصدق ووضوح، من خلال السياق اللغوي الذي اعتمد عليه في موشحه الشعري.

فذات الشاعر من خلال كلماته الممزوجة بالشوق والحب والحنين، تُذهِبَ بك كقاريء لعالم الخيال الروحاني من خلال التشبيهات المجازية الجميلة بالطبيعة، فهنا فن حوار الذات باستخدام الطبيعة، ويكمن البعد النفسي ومهارة الشاعر في تنمية ذاته في مجال حدده لنفسه ألا وهو فن الموشح الشعري.

حقاً هذا اللون الاندلسي الذي لم يؤخذ حقه كباقي الفنون الشعرية واندثر لفترة مع انتهاء العصر الاندلسي، ثم عاود الظهور في القرنين الحديثين.
أرى هذا الفن الجميل هو فن الابداع الشعري، كون أنه يلامس الوجدان بحيث يجعلك تهيم في عالم النفس والروح، مختصر مفيد شعر حسي وتذوقي ووجداني ونفسي.
إن شاعر الموشح من خلال طيات أبياته الشعرية يواجه ذاته يحاورها يوصل رسالة موسيقية بكلمات معينة لذات أخرى علها تعي مدى معاناة الشاعر من خلوته مع ذاته، وتجعل القاريء والمتذوق للشعر يلمس هذه المعاناة وجماليات وانعكاسات الطبيعة، فهو وظف الطبيعة في علاج ذاته ليقلل من حدة معاناة البعد.
ليس دوري أن أذكر من هم شعراء الأندلس فكما ذكرت لست ناقدة بل لي رؤيتي لهذا اللون الأدبي من صورة مختلفة تماما وهو البعد النفسي والوجداني.
ومثال على أن شاعر الموشح يخاطب ذاته مع الطبيعة عندما ذكر لسان الدين الخطيب في قصيدته الشهيرة:
جادك الغيث إذا الغيث هما
يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما
في الكرى أو خلسة المختلس
مثال بسيط يظهر حوار الذات للروح وتشبيه المحبوبة بالمطر، فهنا مزج محاورة الروح بالطبيعة.... والكثير من هذه الموشحات التي توضح هذا الجانب والبعد النفسي والوجداني لشعراء هذا الفن الإبداعي.
ولكي يحد من ألم الفراق والبعد وظف الطبيعة ليحاورها وكأنها المحبوبة البعيدة التي لا يرغب أن يوضح هي من تكون.
ولسان الدين الخطيب هو فيلسوف وشاعر أندلسي، ولذلك ارتبطت الموشحات الأندلسية بالجانب النفسي وتنمية الذات فمعظم من كتب فيها علماء وفلاسفة، ببساطة الموشح الأندلسي فن مخاطبة الروح ومخاطبة الذات، وهو تآلف الروح مع الروح
إن الموشح الأندلسي ليس فنا شعريا بحد ذاته، بل هو عالم من نسج الخيال يسبح فيه الشاعر بين ذاته وذات أخرى، روحه وروح أخرى فيها تآلف وتعايش الروح ،ومحاورة الذات، وهو ما أراه علاجا روحانيا نفساني في سياقه اللغوي وتشبيهاته السهلة الممتنعة التي تساعد علي تنمية الذات من خلال الإحساس الوجداني ومحاورة الطبيعة والتأمل بجماليات وانعكاسات الحياة.. فهو فن الانعكاس الجمالي للروح والطبيعة.
كما ذكرت تُربط الروح الأخرى بالطبيعة يخاطبها، فهو يحاور المطر وقد يحاور القمر والشمس والغزال... وغيرها جماليات الطبيعة، والمخلوقات.
حيث ان كاتب الموشح الأندلسي نفسيا عندما كتب كلماته فهو يتولد لديه احساس نفسي بالشوق والحنين وألم البعد فيحاور ذاته ويحاور الروح الأخرى من خلال الطبيعة لذا يشبه تلك الروح بجماليات الطبيعة التي يشعر هو أنها الأقرب له.
فن الموشح الأندلسي من أجمل فنون الشعر العربي وما أروعها وأبدعها لما فيها من متداخلات جميلة للعلاج النفسي الذاتي واستخدام جماليات ألفاظ اللغة العربية الجميلة بمفردات بسيطة ذات بلاغيات وتشبيهات مجازية تتداخل مع الأحاسيس وهنا تتنوع الحوارات فيها ما بين الحوار النفسي وبين الذات والروح والتساؤلات المتأملة مع الخيالات الحسية للشاعر وتوظيف انعكاسات جماليات الطبيعة.
فن شعر عربي في غاية الجمال وفي غاية الابداع، يجعلنا نفخر بفنون الأدب العربي، وفلسفة الأدب العرب، وأن نعتز بمهارة وابداع هؤلاء الشعراء والعلماء والفلاسفة الذين وصلوا منذ قرون ماضية لعلم تنمية وتطوير الذات الحديث، ولعلم مخاطرة وتآلف الأرواح.... هذا هو مهارة شعراء الأندلس وبراعة وابداع فن الموشح الأندلسي.