أ. سعدون بن حسين الحمداني:لقد تطرقنا بالمقال السابق حول مفهوم الدبلوماسية ومدى حاجته إلى الإعلام، والمعروف لدينا أن هناك عدة أنواع من الدبلوماسية، منها ما يحتاج إلى الإعلام بصورة كاملة لتحقيق أهداف معينة ومنها ما يحتاج الإعلام بصورة محدودة جدًّا، لذلك سوف أتطرق إلى أنواع الدبلوماسية ومدى تعاملها مع الجهات الإعلامية الرصينة، وهل هناك ازدواجية بالعمل من ناحية المكان والزمان والأهداف أم استراتيجية خاصة بهما؟إن غاية مفهوم الدبلوماسية هي الوصول إلى تحقيق أفضل النتائج وأول هذه الأساليب هو فن المفاوضات والجلوس على طاولتها. وإن طاولة المفاوضات لها بروتوكول خاص بها وهي من أهم أساليب الدبلوماسية، يُفضّل الطاولة المستديرة إذا كان جميع الحضور من نفس المستوى كرؤساء دول، وهذا ما نلاحظه من جلسات الاتحاد الأوروبي أو مجلس التعاون لدول الخليج العربي، أو طاولة مستطيلة لوفدين متقابلين بالمثل ولا داعي للتطرق إلى بروتوكول الاجتماعات الآن بقدر ما يهمنا الدبلوماسية التي تمارس كأساس وكأسلوب فيها كعقد جلسات الحوار وغيرها من أنواع اللقاءات الرسمية.تُعد أوروبا ـ وخصوصا بعد عصر النهضة ـ من أهم المدارس التي طورت أنواع الدبلوماسية بأسلوب حديث وراقٍ، ووجدت لها خصائص وأنظمة ونظريات تدرس على مستوى عالٍ جدًّا فأنشأت الطبقة الارستقراطية والملكية وطبقة رجالات العرش ورؤوس الأموال لتبدأ بعدها الحجر الأساس لأنواع الدبلوماسية الاجتماعية والرسمية.إن أنواع الدبلوماسية كثيرة ومتنوعة وتصنف حسب الجهة المستفيدة لها، سواء كطرف أو طرفين أو عدة أطراف في الحوار وذلك من خلال السلوك والأسلوب والتصرف الدبلوماسي الذي سوف يمارس، مع الأخذ بعين الاعتبار الجهة التي سوف تشرف وتمارس المهام الدبلوماسية بذلك مع الطرف الثاني والتي سوف تمارس معه المهام والأهداف الدبلوماسية على طاولة المفاوضات. وكما قلنا سابقا، إن مفهوم الدبلوماسية هو فن إدارة المفاوضات لغرض الخروج منها بأحسن النتائج لكلا الطرفين، أما أنواعها فهي: (الدبلوماسية السياسية، الدبلوماسية الاقتصادية، الدبلوماسية الكلاسيكية أو الملكية، الدبلوماسية البرلمانية، الدبلوماسية العامة، دبلوماسية الأطراف المتعددة، الدبلوماسية الثقافية، الدبلوماسية العسكرية.إن أهم هدف لجميع أنواع الدبلوماسية هو إيجاد قاعدة مشتركة للمصالح بين الطرفين، مستندا إلى القاعدة القانونية لكل طرف بعيدا عن تجنب الخسائر الفادحة لأحد الطرفين ما عدا الدبلوماسية العسكرية التي غالبًا ما تنتهي في حالة الحروب إلى خاسر ومنتصر، وبالتالي فإن الأول قد فقد كل عوامل القاعدة القانونية التي يستند إليها، وهذا ما نلمسه في الحرب العالمية الثانية وخسارة اليابان أمام الحلفاء، وخصوصًا بعد الضربة النووية يوم 6 و9 من الشهر الثامن من عام 1945م، حيث أعلن إمبراطور اليابان هيروهيتو قبول الاتفاق وفي يوم 2 سبتمبر وقَّعت الحكومة اليابانية على الاستسلام الذي أنهى الحرب رسميًّا.صراحة، الدبلوماسية العسكرية تحتاج إلى عدة مقالات للتعريف عن نفسها وأهداف ذات معالم جوهرية، خصوصًا أنها مرتبطة بأداء الحرب النفسية على الطرف الآخر، وقد تكون هناك مصداقية في البيانات الصادرة عنها، يأتي ذلك من الحرص الأمني على طبيعة العدة والعدد.إن جميع أنواع الدبلوماسية هدفها إيجاد قاعدة مشتركة للتشاور الإنساني على مختلف الأصعدة، فعلى الجانب البرلماني والسياسي مثلًا تتم العديد من الزيارات بين مختلف دول العالم بإرسال وفود البرلمان أو الوفود السياسية، وتحظى هذه الوفود باستقبالات رسمية من نظيراتها في الدول الأخرى ضمن بروتوكولات يتفق عليها الطرفان، ومن أهم ما يتم مناقشته على الصعيد الدبلوماسي إيجاد تسويات سلمية وعقد أو توقيع اتفاقيات بالأحرف الأولى من الناحية الاقتصادية أو المالية أو اقتراح بعض الحلول للمناطق التي تشهد بعض المناوشات العسكرية أو الصراعات، أمّا على الجانب الثقافي فتكون الزيارات الدبلوماسية من أجل عقد مجموعة من الاتفاقيات الثقافية على مستوى الجامعات بين الدول، وهذا من شأنه أن يعزز العلاقات الثنائية بين الدول، ويسهم في استفادة الدول من بعضها البعض في الجانب الاقتصادي أو الثقافي.ومن أهم مميزات الدبلوماسية هي الاهتمام بالمصالح العامة ومعرفة أصول العلاقات الدولية، والقدرة على التحليل والاستنتاج، وإدراك ما وراء الحديث الذي يُطرح على طاولات الحوار، وامتلاك المعلومات الثاقبة، والاطلاع على الأيديولوجيا والنمط الفكري للأطراف الأخرى المشاركة في ممارسة العملية الدبلوماسية، وكذلك إبداء الرأي بكل وضوح وبأبسط الألفاظ التي يمكن استخدامها دون أيّ ارتباك، وتسجيل كل الملاحظات من أجل امتلاك القدرة على التحليل وتتبُّع الحوار.وفي الختام، إن الاهتمام بالتفاصيل والتركيز على هدف محدد من أجل الوصول إلى نقطة الالتقاء مع الأطراف الأخرى هو من أهم سمات أنواع الدبلوماسية. دبلوماسي سابق