خالد الصالحي:يُعد تحقيق النمو الاقتصادي هو إحدى الأولويات والأهداف المهمة التي تسعى لها معظم الحكومات في دول العالم، وفي نفس الوقت يعد مؤشرا قويا على مدى متانة الاقتصاد وقوته، ومن أهم المؤشرات التي يقاس بها هذا النمو هو ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، فارتفاع الناتج المحلي في بلد ما خلال فترة معينة يعني بطبيعة الحال تحقيق نمو اقتصادي بنسبة معينة.إن تحقيق النمو الاقتصادي يُعد مهمًّا ومحوريًّا للعديد من دول العالم؛ وذلك عائد لعدة أسباب نذكر منها على سبيل المثال:- إن تحقيق النمو الاقتصادي يعني توفير مزيد من السلع والخدمات، وهذا يساعد كثيرا في تحسين مستويات المعيشة والحد من مستويات الفقر، خصوصا في تلك الدول التي تعاني من الفقر المدقع. فالصين ـ على سبيل المثال ـ كانت في بداية الستينيات من القرن الماضي تعاني من مستويات عالية من الفقر، ولكن استطاعت في العقود الاخيرة أن تحقق مستويات جيدة من النمو الاقتصادي، وهذا ساعدها على انتشال الكثيرين من حالة الفقر، بل على العكس نلاحظ في السنوات الأخيرة اتساع الطبقة المتوسطة في الصين مع انخفاض ملحوظ في نسبة الفقراء.- من المعروف على نطاق واسع أن الاقتصاد الذي يعاني من الركود لن يستطيع توفير وظائف جديدة، وعلى العكس من ذلك، فإن تحقيق النمو الاقتصادي يعني المزيد من الطلب على السلع والخدمات، وهذا سيشجع ويحفز الشركات على توفير فرص عمل جديدة، ويقلل من معدلات البطالة، وهو الهدف الذي تسعى له معظم دول العالم.- إن ارتفاع النمو الاقتصادي عادة ما يؤدي إلى ارتفاع الإيرادات الضريبية، وهذا بطبيعة الحال، سيساعد الحكومة على تحسين الخدمات العامة كجودة التعليم ومستويات الرعاية الصحية والتدريب وبناء الطرق، وغيرها من الخدمات المقدمة للأفراد مما ينعكس إيجابا على تحسين مستويات المعيشة.- إن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي سوف يساعد كثيرا على تخفيض نسبة الدين، وهذا ينعكس بشكل إيجابي على تحسين التصنيف الائتماني للبلد والذي بدوره يحفز على زيادة الاستثمارات الأجنبية والحصول على قروض بفوائد ميسرة. هناك الكثير من دول العالم استطاعت التغلب على مشكلة ارتفاع الدين عن طريق تحقيق معدلات نمو اقتصادي بشكل منتظم، وهذا ساعدها كثيرا على تخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.- كما ذكرت سابقا أن تحقيق النمو الاقتصادي يساعد على زيادة الإيرادات الحكومية من الضرائب، وبالتالي تصبح الحكومة قادرة على زيادة الاستثمارات في قطاعات البنية التحتية وفي تحسين بنية الأعمال وتوفير الخدمات. إن هذا يُوجِد جوا من الثقة، ويشجع القطاع الخاص والشركات على المخاطرة، وزيادة نسبة استثماراتها في السوق المحلي، مما يؤدي إلى إيجاد فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاج، ويُوجِد دورة حميدة في الاقتصاد تساعد على النمو بوتيرة متواصلة.وعلى الرغم من الآثار الإيجابية للنمو الاقتصادي، إلا أن هناك بعض المحاذير المتعلقة بالنمو الاقتصادي المتسارع وغير المنضبط، نذكر منها على سبيل المثال:- أن النمو الاقتصادي المتسارع والذي يكون على حساب الطبقات الدنيا قد يؤدي في النهاية إلى تكدس الثروات لدى فئة قليلة من الناس، وهذا يعني انتشار عدم المساواة وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء.- أن النمو الاقتصادي الذي يكون على حساب المعايير البيئية قد يؤدي في النهاية إلى زيادة معدلات التلوث وانتشار الكثير من الأمراض، وهذا ما يمكن مشاهدته بوضوح في السنوات الأخيرة. فعلى الرغم من أن معظم دول العالم استطاعت تحقيق معدلات نمو لا بأس بها، إلا أن ذلك رافقه انتشار كبير للتلوث وارتفاع لمعدلات الاحتباس الحراري وزيادة الكوارث البيئية وانتشار الكثير من الأمراض؛ لذلك يجب أن يكون النمو الاقتصادي مدروسا ومنضبطا حسب معايير صارمة تراعي الاستغلال الأمثل للموارد، وتُوجِد نوعا من الاستدامة في استخدام تلك الموارد، وتحافظ على البيئة من التلوث بجميع أنواعه.- في بعض الأحيان قد يؤدي النمو الاقتصادي السريع إلى ظهور فائض من السيولة، مما يؤدي إلى حدوث التضخم وظهور عجز في الحسابات الجارية بسبب كثرة الاستيراد.في الختام يمكن القول إن تحقيق النمو الاقتصادي ورفع الناتج المحلي قد يلعب دورًا مهمًّا في رفع مستويات الدخل، وتحسين مستويات المعيشة، وحل مشكلات البطالة، إلا أنه في نفس الوقت يجب أن يحدث بوتيرة منتظمة وحسب خطط مدروسة، وذلك حتى نستطيع تجنب بعض الآثار الجانبية الناتجة من هذا النمو المتسارع.