فارس كريم :✽ أنواع الفواصل في القرآن:1 ـ الفاصلة المتماثلة: هي التي تماثلت في الصوت الأخير فعند قوله تعالى:(طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاّ تَذْكِرَةً لّمَن يَخْشَىَ * تَنزِيلاً مّمّنْ خَلَق الأرْضَ وَالسّمَاوَاتِ الْعُلَى) (طه 1 ـ 4)، التزمت الفواصل بحرف الرويّ بشكل مخالف للشعر لأنّ القرآن تميّز بها في بعض الآيات وتحرّر منها في الأخرى، فالروي يناسب خواتم هذه الآيات، والغاية من الفاصلة هو تيسير القرآن على لسان الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتذليلًا لحفظه كما هو الشأن مع سورة مريم التي قبلها.والنوع الثاني من المتماثلة الاتفاق في الصوتين الآخرين، فعند قوله تعالى:(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الّذِيَ أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الشرح 1 ـ 4)، فالصوتان (الراء والكاف) مشتركان في صفة الانفتاح والاستفال ما جعلهما ينسجمان مع جو الحنان والرحمة ومظاهر الرعاية الربانية التي انعكست على الفاصلة فتمخّضت عنها موسيقى شجية وأداء سام، وقد ورد هذا التلوين الصوتي ليعبّر عن الضيّق والكيّد اللذيْن أثقلا كاهل الرسول (صلى الله عليه وسلم).والنوع الثالث منها ما كان في ثلاثة أصوات، قال تعالى:(مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنّ لَكَ لأجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (القلم 2 ـ 3)، فالكلمتان (مجنون وممنون) اتّفقتا في نفس الصامت مع صوائته وهو النون المكرّرة مرتين المعروفة بالجهر والغنّة، وقد توسّطت الصامت الطويل (الواو) بينهما فأبانت من خلالهما الفاصلة عن دلالتها المتمثّلة في الردّ على افتراء الكفار، فتجاوبت الفاصلتان لإعطاء التعبير لونًا خطابيًا يكشف عن الحقد الذميم الذي يكنّه الأعداء للرسول (صلى الله عليه وسلم).والنوع الأخير في أربعة أصوات فعند قوله تعالى:(إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمّ لاَ يُقْصِرُونَ) (الأعراف 201 ـ 202)، تقع الفاصلة في هذا الموقع بين (مبصرون ويقصرون) فالأصوات التي تساوت فيها الكلمتان لها نفس المخرج والصفات الاستعلاء والصفير للصاد، والتكرير والجهر للراء، فهي تحمل إشارات توحي إلى معان عميقة تبيّن مس الشيطان، وخوف الله، ووقعها يحذر الغافل ويذكر العاقل.2 ـ الفاصلة المتقاربة: وتسمى ذات المناسبة، (فهي التامة فهي التي تقاربت حروف رويها) ومن صورها الميم مع النون، فعند قوله تعالى:(الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ * مَـَلِكِ يَوْمِ الدّينِ) (الفاتحة 2 ـ 3)، وفر ترتيب الصفتين (الرحمن والرحيم) الانسجام بين الصوتين وهذا ما تدركه الفطرة، فلو تقدّمت صفة على أخرى لكان التقسيم مضطربا نفس الشيء، مع (مالك يوم الدين)، فقرأ (مالك) باسم فاعل تلائم الوزن بعكس القراءة (ملك) (التي قرأ بها نافع ابن كثير أبو عمرو)، فالتقارب بين الصوتين (الميم والنون) في صفات كالجهر والغنّة والتوسط منح الآيتين نظما بديعا وبناء مخالفا للشعر والنثر، ومثال آخر: تقارب الدال مع الباء كقوله تعالى:(قَ وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوَاْ أَن جَاءَهُمْ مّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) (ق 1 ـ 2)، في هذه الآية تعبير فريد وإيقاع رهيب زاد الفاصلة جرسًا نتج عن اجتماع الصوتين في الصفات كالجهر والشدّة والقلقلة، فهناك علاقة بين الحرفين ما أعطى الدلالة قوة في الوقع مادام الأمر متعلقًا بمسألة البعث، وهذان النوعان ميّزا القرآن المكي والمدني:(الملاحظ أنّ الفواصل المتماثلة تشيع في الآيات والسور المكية على حين تغلب المتقاربة على الآيات المدنية) قال السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن): ألف الشيخ شمس الدين بن الصائغ كتابًا سماه (إحكام الراي في أحكام الآي) قال فيه: اعلم أن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يرتكب لها أمور من مخالفة الأصول قال وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيف عن الأربعين حكمًا.