نجوى عبداللطيف جناحي:ما من إنسان إلا وقدم عملا تطوعيا، سواء بقصد أو غير قصد، فالتطوع فطرة مزروعة في كل إنسان، فالإنسان بطبيعته يهرع لمساعدة الآخرين ويقدم لهم العون حبا وطوعا، فالعمل التطوعي إما يكون تلقائيا عفويا أو يكون احترافيا منظما. ودعونا في بداية حديثنا نعرف التطوع: فقد عرف الزمخشري التطوع في اللغة في كتابه (أساس البلاغة) بأنه التبرع، أما معنى التطوع من منظور اجتماعي فهو: هو التبرع بفعل الخير عن طريق تقديم خدمات اجتماعية وإنسانية ومادية للناس والمجتمع، ويكون هذا التبرع بالمال والجهد والوقت والفكر والخبرات. على أن يكون هذا التبرع غير مشروط بأي مقابل مادي سواء نقدي أو عيني.والتطوع نوعان: فقد يكون عملا فرديا أو جماعيا، وأقصد بالتطوع الفردي هو نشاط اجتماعي يبادر به الفرد مختارا غير مكره لتقديم خدمة للناس أو المجتمع، دون التطلع لأي مردود مادي. أما التطوع الجماعي فهو نشاط اجتماعي يبادر به مجموعة من الناس حيث يتعاونون على مساعدة الناس بتقديم خدمات اجتماعية وإنسانية محددة للناس وللمجتمع، بدون مقابل مادي، ويجمع هذه المجموعة من الناس هدف مشترك، فيشكلون بذلك تجمعا يتصف بالتخطيط والتنظيم لتحقيق أهدافهم الإنسانية من خلال تقديم برامج ومبادرات وأنشطة إما قصيرة أو طويلة المدى.والحقيقة أننا نجد هذين النوعين من التطوع سائدين في المجتمعات على مر العصور، وموضوع حديثنا في هذا المقام التطوع الفردي ما له وما عليه. فالتطوع الفردي ينبثق من صفة حميدة عند الإنسان وهي حب فعل الخير ومساعدة الناس، وتلك الصفة من الصفات النبيلة التي يجب أن يُنشأ عليها الأجيال لتكون سلوكا شائعا بين أفراد المجتمع، فيسود التعاون والتضامن والتكاتف بين الناس، ويعزز الترابط الاجتماعي، وحب الغير، فيشعر أفراد المجتمع بالأمان لأنهم يعيشون في مجتمع يسوده جو التعاون والتكاتف، كما أن شيوع سلوك التطوع الفردي بين الناس يعزز الإحساس بالانتماء للمجتمع وللوطن.ومن أمثلة التطوع الفردي: استجابة الفرد بصورة عفوية لمساعدة الناس في حالة وجود خطر وحاجتهم للغوث، كإنقاذ الغريق، والمبادرة لإطفاء الحريق، ومساعدة من يتعثر في الطريق ومساعدة من تتعطل به راحلته أو سيارته، ومن أمثلة التطوع الفردي تقديم خدمة للمجتمع مثل غرس أشجار في الحي أو المنطقة، أو تنظيف شاطئ أو حديقة عامة أو طرقات، أو إعادة حفر بئر ماء، أو تجميل الحي بطلاء الجدران، أو إصلاح الطرقات وتعبيدها وإنارتها، ومن أمثلة التطوع الفردي أيضا تقديم خدمة اجتماعية للناس مثل مساعدة المريض بتمريضه وخدمته، ومساعدة الطلبة على فهم الدروس، ومساعدة الفئات الضعيفة في المجتمع كالمعوقين والمسنين والأطفال، على قضاء حوائجهم، ومساندة الأيتام وتعويضهم عما فقدوا من رعاية أبوية، تلك بعض الأمثلة حول أنشطة التطوع الفردية سقناها على سبيل المثال لا الحصر. وعموما فإن الأعمال التطوعية الفردية تختلف من مجتمع إلى آخر بحسب ظروف واحتياجات وخصائص كل مجتمع.وبالرغم من أهمية العمل التطوعي الفردي، وضرورة تعزيز مبدأ المبادرة الذاتية لخدمة الناس والمجتمع لدى الناس، إلا أن المجتمعات يجب ألا تقتصر على هذا النوع من العمل التطوعي، فالعمل التطوعي الفردي محدود التأثير في المجتمع وله سلبياته وعيوبه نذكر منها:• أنه يتسم بالتلقائية، وعدم التخطيط والتنظيم، فهو يأتي كاستجابة فورية لتقديم خدما بناء على طلب من يحتاج وردة فعل نتيجة الشعور بحاجة الناس والمجتمع للمساعدة.• المتطوع بصفة فردية لا يقوم بعملية تقييم وتشخيص لاحتياجات المجتمع والمجالات التي تحتاج لجهود تطوعية، وبالتالي لا يحدد أولوية حاجة المجتمع.• لا يركز على توفير مصدر لتمويل النشاط التطوعي. فتكون إمكانات هذا النشاط محدودة. وتقتصر على الجهود الشخصية.• الخدمات التطوعية الاجتماعية والإنسانية التي يقدمها الفرد، لا تتصف بالاستمرارية، فهو يقدم الخدمة خلال فترة محددة.• زيادة احتمالية الخطأ في النشاط التطوعي الفردي نتيجة عدم وجود مجال للتشاور في طريقة تقديم النشاط التطوعي أو أهميته وضرورته ومدى حاجة الناس له.• أن الخدمات التطوعية الفردية هي جهود مشتتة غير متكاملة، وبالتالي لا تقدم مشاريع تنموية للمجتمع.• تعتبر الجهود التطوعية الفردية محدودة الأثر الاجتماعي والاقتصادي، كونها تقدم جهدا محدودا وتستهدف مساعدة فرد محدد.ويمكننا القول إنه على الرغم من أهمية العمل التطوعي الفردي في المجتمع، إلا أنه من الصعب لأي مجتمع الاقتصار عليه، فلا بد من وجود العمل التطوعي الجماعي بجانبه، فلكل نوع من أنواع العمل التطوعي دوره وأهميته، فهما وجهان لعملة واحدة... ودمتم أبناء قومي سالمين.كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية متخصصة في التطوع والوقف الخيري [email protected] تويتر: @Najwa.janahi