نجوى عبداللطيف جناحي:ما زلت أذكر زميلتي في الجامعة التي كانت دائما تتهرب من عدسات الكاميرا، وكأنها تختبئ من وحش، وكم كنا نحتشد أمام شاشات الكاميرا لنحصل على صور نصنع بها ذكرياتنا أثناء البرامج الطلابية كالرحلات والحفلات، أما زميلتنا هذه فتخبئ وجهها خلف ظهورنا لتغيب عن الصورة، حتى الصورة الجماعية للخريجين والخريجات التي تلتقط في حفل التخرج من الجامعة وهي من أهم اللحظات في حياة أي طالب غابت عنها، وعندما نسألها معاتبين، تقول: لا أحب أن أرى صورتي!! لم تكن هي وحدها التي تتهرب من الصور، بل هناك الكثيرون الذين يتجنبون عدسة الكاميرا، ولكن بدرجات مختلفة، فالبعض يتقبل الصورة الجماعية، ويرفض الصورة الفردية، والبعض يتقبل أي نوع من التصوير ويرفض الصورة التي تركز على الوجه، وترى كثيرا منا يتأمل صورته مستنكرا؟! ويهتف قائلا: إنها صورة غير مطابقة للواقع، المصور لم يتقن التصوير! ويشعر في قرارة نفسه أن الصورة لا تشبه وجهه الحقيقي!وهنا أتساءل: هل نعرف فعلا أشكالنا الحقيقية؟! إننا نرى وجهونا بصور مختلفة في انعكاسات مختلفة، فنحن نرى وجوهنا إما في المرآة، وإما من خلال عدسات الكاميرات، وفي كل مرة نرى اختلافا في وجهنا. وقم أنت بنفسك بالتجربة، فقف أمام كل مرآة في بيتك، فسترى صورة وجهك تبدو مختلفة من مرآة إلى أخرى، وكذلك الحال مع الكاميرا، حتى أنني بت أتساءل: ما هو شكلي الحقيقي؟! وأعتقد أن أشكال وجوهنا الحقيقية لا ترى إلا بعيون الآخرين، ولكن، هل جميع الناس يروننا بنفس الصورة؟ وهنا تذكرت عندما التقيت بإحدى الصديقات في البداية كنت أرى وجهها خاليا من الجمال، فهمست سرا قائلة: (الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به)، وما هي إلا جلسة واحدة معها حتى كنت أتساءل: كيف كنت أرى وجهها يخلو من الجمال؟!! إنها ذات تقاطيع ناعمة، والواقع أن روحها الجميلة، وهدوء صوتها وعذب حديثها غطَّى على قبح وجهها، ويبقى السؤال المُحير: ما هو شكل وجهنا الحقيقي؟ ولماذا لا نتقبل في كثير من الأحيان صورنا؟ ونؤكد على أن الصورة لا تعكس وجهنا الحقيقي!!وقد أجاب على هذا السؤال العالم (روبرت زوجنيك) في أواخر العام ١٩٦٠ والذي أسماه ظاهرة تأثير التعرض المجرد. هذه الظاهرة هي التفاعل الإيجابي عما اعتدنا عليه، ومن ضمنها الوجوه، لأن ما نراه في الصور مغاير تماما لما نراه في المرآة. الوضع هو كالآتي: بعد سنوات طويلة من النظر في المرآة التي في غرفتنا يصبح انعكاس وجوهنا هو المألوف والمعتاد، هذا يتضمن العيوب أو عدم التناسق الذي يختفي ونتوقف عن رؤيته. لكن المشكلة هي أن الصور ليست انعكاسا، بل هي تصوير لما نبدو عليه تماما، مثلا حين يضحك أحدهم فهو يدرك، بسبب انعكاس صورته في المرآة، فإن الجانب الأيسر من وجهه يرتفع، بينما ينخفض الجانب الأيمن، لكن حين يشاهد نفسه يضحك في الصورة فإن الارتفاع والانخفاض هكذا سيكون مقلوبا. وعليه، فإن شكله برمته سيبدو غريبا وغير مألوف.وأعتقد أن هذا القول صحيح، وبالتالي أؤمن أننا لم نرَ صورة وجهنا الحقيقي بدقة قط، وأدلل على ذلك بأنك تلتقط أكثر من صورة بعدسات مختلفة، لتجد وجهك يختلف من صورة إلى أخرى، لكن ما نتفق عليه أننا نرسم في أذهاننا صورة معينة لوجهونا، وترسخ في عقلنا الباطن، وتختلف مدى مطابقة تلك الصورة التي في أذهاننا من شخص إلى آخر، وكلما بعدت الصورة التي في أذهاننا عن الواقع رفضا النظر إلى صورتنا.والبعض يرسم صورة جميلة لوجهه من ردود الفعل التي يراها في أعين الناس فيرى أن الناس تراه جميلا نتيجة حسن خلقه ولباقته ولطفه أو خفة دمه أحيانا، فيرسم صورة جميلة لوجهه في عقله الباطن، لكنه عندما يرى صورته يفاجأ أنها تختلف تماما عما هي في تصوره، أو لنقل عما هي في أعين الناس، تماما كصورة تلك الصديقة التي رأت عيني وجهها قبيحا، ولكن عيني نفسها رأت وجهها بصورة مغايرة عندما جالستها، واستعذبت روحها ولن أبالغ إن قلت بأنني تمنيت في كثير من الأحيان أن أشبهها، حتى بت أحاكي حركاتها وتعابير وجهها.وعموما فأنا من الذين يؤمنون أن الإنسان قد يعيش ويموت ولم يرَ صورة وجهه الحقيقي، رغم اختلاف المرايا التي رأى وجهه فيها، ورغم اختلاف عدسات الكاميرا التي رأى وجهه فيها. وأختم حديثي ـ عزيزي القارئ ـ بمقولة أتمنى أن تذكرها: لا تنشغل بجمال صورتك أمام المرآة أو أمام الكاميرا، بل انشغل بجمال صورتك أمام أعين الناس، فجمال الشكل نسبي، أما جمال الأخلاق فمقاييسه تكاد أن تكون واحدة، ولله در من قال إن الجمال الحقيقي هو جمال الروح... ودمتم أبناء قومي سالمين.كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية متخصصة في التطوع والوقف الخيري [email protected] تويتر: @Najwa.janahi