[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]الحياة تزدحم بالحركة، بل إن الحركة هي المؤشر الأساسي الذي تقاس به الحياة، فمن حركة الشيء نستشف ونكتشف ونعلن عن وجود الحياة نابضة في شرايين جسده، ومن توقف حركته وسكونها نحكم عليه بالموت والنهاية والتلاشي، فالحركة مستمدة في الأساس من الحياة المزود والمحفز لهذه الطاقة التي تتفاعل نموا وتفكيرا وعملا وإنتاجا وإعلانا عن الوجود والحياة والنشاط والمشاركة في هذا الحقل العام بفضائه الواسع الذي يسهم الجميع في الحفاظ عليه وعمارته، وتبادل الخدمات والمصالح وضمان استمرار الحركة على هذه الأرض التي تدب فيها الحياة، ويتشارك البشر خيراتها وثرواتها وطبيعتها مع عناصر وأجسام وجزيئات ومخلوقات لا تحصى من حيث التنوع والعدد والشكل والغرض. ونرى كيف أن جميع هذه الكائنات والعناصر تتحرك وفق منظومة دقيقة جدا من الضوابط، وفي نهج محكم ومرسوم، ولكل منها ـ أي هذه الكائنات والأجسام ـ صغر وزنه أو كبر طريقه السالك والسائر فيه المخصص لحركته ونشاطه العام الضامن حمايته من الاصطدام والإضرار بغيره، والإنسان بطبيعته يشعر بالارتياح والغبطة الممزوجين بالقلق والتشوش مستلهما الدروس والعبر وهو يتابع راصدا وموثقا ومستوعبا ومتعجبا من هذا التنوع الغزير، والنشاط المرتبط بالحركة المستمرة في سعي دؤوب متواصل وعزيمة لا توانٍ فيها ولا كسل، ومسالك واضحة لا يعتريها لبس ولا يصاحبها خطأ لتحقيق هدف من الأهداف وغاية من الغايات. والحياة في الأساس قائمة على تحديد ووضع وتحقيق الأهداف التي قد يعود نفعها وعائدها إما على الإنسان خصوصا باعتباره السيد والأمين والحامي بملكة العقل والقدرة على التمييز، أو على جميع من يعيشون على الأرض؛ كون أن لهم حقوقا تضمن لهم العيش والأمان. وتبقى الحركة سببا ومحفزا وأداة ووسيلة أساسية لتحقيقه، فالحركة المتميزة بالاستمرارية والشمولية يسبقها وضع الهدف المراد تحقيقه، فهما معا متلازمان منسجمان مرتبطان، فلا حركة بدون هدف ولن يتحقق هدف بدون حركة. والحركة في اللغة هي: "انتقال الجسم من مكانٍ إِلى مكانٍ آخر، أَو انْتِقال أجزائه"، والحركة: هي كذلك "كل مظهر عام من مظاهر النَّشاط حركة ثقافية/ سياسية/ فكرية/ تحررية/ نقابية/ سياحية"، فيقال حراك سياسي واقتصادي وثقافي ومجتمعي وديني... للتعبير عن النشاط والنمو والاحتجاج والتظاهر والحوار والتدافع... و"حركة ثوريَّة: عمل جماعيّ يهدف إلى إحداث تغيير في التَّفكير والآراء أو التَّنظيم الاجتماعي أو النِّظام السِّياسي"، و"خَفِيفَ الحَرَكَةِ": هو النشيط في عمله، فيما "ثَقِيلُ الحَرَكَةِ" البطيء والكَسُولُ، والخاملُ. ويقال في "الحركة بركة". فحركة الإنسان أساسية للحفاظ على الحياة، فقوامها وأبنيتها تعتمد وتقوم على الحركة والإرادة، والحركة التي تسير وفقا لخطة مدروسة تأخذ في حسبانها عوامل النجاح والفشل، وتوظف وتستثمر لضمان تفوقها وازدهارها ونموها جميع الاحتياجات والمستجدات والقواعد والطاقات المتاحة سوف تحقق أهدافها بفاعلية وتقدم وإبهار، والحركة القائمة على التخبط والعشوائية والعنجهية وتفتقر إلى الجوهر والمضمون والتخطيط ولا تستند إلى فكر ومنطق ودراسة رصينة سوف تفضي إلى ما لا تحمد عقباه وستكون نهايتها فاشلة وعواقبها وخيمة، وحركة الإنسان الدؤوبة وخطواته المتسارعة بغية تسيير شؤون حياته والقيام بتلبية متطلباتها والوفاء بالتزاماتها لا تنحصر في دائرته الخاصة، بل تتعدى هذه الدائرة إلى ما هو أبعد لتلتقي وتصطدم وترتبط وتتماس مع علاقات وروابط وأطراف ودروب معقدة وسهلة، متشابكة مغلقة ومنفتحة، تتباين فيها المشاعر والأحاسيس والمصالح، في هذه الحركة المتدافعة والنشطة والضرورية المحفوفة بمخاطر الاصطدام، والتي تتحرك فيها أجسام وجزيئات وكائنات ورؤى ومشاعر ومصالح لا حصر لها تدفعها وتحفزها الحاجة والضرورة والطبيعة، يتوجب على الإنسان، ولتحقيق مصالحه والحفاظ على بيئته سليمة لا ملوثات فيها وصياغة علاقات منضبطة لا اصطدام ولا معارك تعيق الحركة وتوقفها وتؤزم الوضع، وضمان قضاء احتياجاته ومتطلباته وتحقيق طموحاته وتطلعاته... أن يقيم ويراقب حركته ويضبط سيرها، وأن يجري بها في الاتجاه الصحيح دون اعتداء أو ظلامة على الآخر الذي يمتلك هو كذلك حقوقا في الحركة وفي الطريق وله مصالحه ومتطلباته الحياتية التي يفترض وينبغي أن لا تتقاطع مع مصالح الآخرين وإنما تتكامل وتتساوى وتتصالح وتتحاور معها.