د.يوسف بن علي الملَّا:
بالنظر إلى جائحة فيروس كورونا، لا يزال الناس يشعرون بالقلق والغموض بشأن المستقبل، على الرغم من أن القليل منا يحاول الوقوف والحفاظ على سلامة الناس من حوله. قد تستيقظ كل يوم الآن مع شك، وتتساءل: متى يمر هذا الكابوس وينتهي؟ سمعت معي مؤخرًا عن عدد الحالات التي توفيت. تقرأ العناوين بحزن عميق بفقد قريب أو حبيب، أو بشكل مفاجئ وبدون مقدمات ينهي ذلك الفرد من تلكم الأسرة رحلته الدنيوية، متطلعة تلك العائلة وغيرها للأخبار الغامضة المنتظرة حول موعد إطلاق اللقاح المحتمل!
فعادة عندما ترى مريضك، فأنت على دراية تامة وهو يعلم ما هي الخطة التالية لعلاجه، والحوار المفتوح الواضح مع المريض، ولكن في الوقت الحالي ونحن بوسط المجهول في الأشهر الماضية، بالتأكيد أنت كإنسان بطبيعتك تتطلع إلى التأكد من أشيائك وأمورك الحياتية لتسهيلها. وبشكل لافت، خضعنا كمجتمع للتباعد الاجتماعي بتوجيه محدد وواضح، ثم جاءت مرحلة إعادة الافتتاح وارتداء قناع الوجه، وهو أمر ضروري للغاية، ومن ثم بالإغلاق المحدد مرة أخرى وهو لعله الأجدى في هذه المرحلة، ولكن للأسف جاء الأمر كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم بمزيد من التوتر والغموض. ولعل هذا قد يكون طبيعيا لنا كبشر، فالموت ارتبط في أعماقنا بالخوف من المجهول رغم أنه قدر محتوم، ومع ذلك هل لنا أن نستبدل تلك الحروف في هذا الخطب الجلل بشيء من الأمل، والنظر إلى السيناريوهات المتفائلة منها إلى المتشائمة؟!
وبشكل درامي يجب أن يذكرنا هذا الوقت الصعب بأصدقائنا وإخواننا الذين قد يعانون من المزيد من الأمراض التي تهدد حياتهم، والذين قد دخلوا وحدة العناية المركَّزة نتيجة لفيروس "كوفيد19" ومضاعفاته ونحن نعيش في حالة من عدم اليقين، ومع ذلك ما زلنا بحاجة إلى ضبط أنفسنا، وكما ترون كل يوم نحاول التأقلم. ما أحاول التعبير عنه هنا ـ ونحن نمر بهذه الجائحة ـ هو أننا بحاجة إلى التعرف إلى عدم اليقين والمجهول كجزء من حياتنا والتعامل معه، بدلًا من محاربة شعورك بعدم اليقين والقلق. من الأفضل أن تتعلم بعض الاستراتيجيات للتخلص من تلك المخاوف التي تأتي إليك من وقت لآخر. وبكل تأكيد، هذا الخوف من الإصابة بالعدوى أو الموت وانتظار المجهول إذا لم تصل إلى الخلاص به بشكل وبآخر، فسوف تغرق فيه. ومهما يكن يمكن لطبيبك النفسي توجيه هذا الهروب على سبيل المثال، أو أنك تتكيف آخذًا ببعض الاستراتيجيات المتاحة كممارسة تمارين التنفس لتهدئة نفسك (تنفس للعد الرابع، احتفظ بنَفَسك للعد السابع ثم أطلقه بالعد الثامن).
أعتقد في وقت ما ـ ولعلَّك تشاركني في ذلك ـ أنك قد تصل إلى مرحلة تأمل فيها بالسيطرة، وتقول إذا كان بإمكاني رؤية الفيروس، فقد أتجنبه. وإذا كان بإمكاني معرفة موعد إطلاق اللقاح، فسيمكنني ربما التخطيط لعامي القادم. ومع ذلك، فالجميل أنك تحاول خلق أمل رغم هذه الكآبة. والأهم أن المطلوب الآن هو الابتعاد عن السلبية وتجنيد ما هو ممكن، لإلحاق الهزيمة بفيروس كورونا ودحره وجعل الأفكار التي تتدفق في رؤوسنا إيجابية، بحيث يمكن للإيجابية في تفكيرنا رفع مستوى طاقة الجسم والمناعة.
حقيقة ومن المثير للاهتمام، أن جائحة كورونا أظهرت أيضًا بطرق عديدة كيف يمكن أن يظهر الأمل والتفاؤل في الأوقات المظلمة، وكيف يمكن أن يصبح هذا في بعض الحالات قوة للتغيير الاجتماعي، ومع ذلك لا يزال ينبغي علينا عدم الخلط بين التفاؤل والعبارات الساذجة مثل (كل شيء سيكون على ما يرام!). في الواقع، كلنا الآن يعي أنه يمكن لهذا التفاؤل الساذج أن يقود الناس على نحو متناقض، وقبول العالم كما هو واستبعاد البديل، بدلًا من التغيير نحو الأفضل.
بالنهاية، تعلمنا أنه عندما تكون الأمور صعبة للغاية ومخيفة وتكون النتيجة غير جيدة بشكل عام، يكمن الأمل أحيانًا في المجهول. أعتقد أن الأمر الغامض وغير المتوقع ـ المفاجئ والصادم ـ كلها موجودة حيث يوجد باب للأمل! فبقدر ما نحتاج الآن إلى أمل في إنهاء مثل هذه الجائحة، بقدر ما أعتقد أن عدم اليقين أو المجهول يمكن أن يكون محتملًا وممكنًا إنهاؤه.

طبيب ـ مبتكر طبي وكاتب