نجوى عبداللطيف جناحي: قد تنشد الدواء لدائك من الطبيب، إلا دواء الهم والحزن فانشده من فؤاداك، كل امرئ له أماني كثيرة لكنه يدرك بعضها، وتعجز همته عن إدراك بعضها، تلك سنة الحياة، ولكن الداء ليس في عدم نيل الأماني، بل الداء في كثرة الشكوى، فكثير منا عندما يعجز عن إدراك مرامه، يشكو ويندب زمانه وحظه، تجده يشكو أن رزقه أقل من غيره، يشكو أمراضا قد ألمَّت به، يشكو عدم إنصاف الناس له، حتى باتت الشكوى أغنيته يترنم بها طوال يومه، فالشاكي دائما يعلق فشله وعجزه عن تحقيق أهدافه على سوء الحظ فيندبه، فيامن جعلت من سوء الحظ شماعة لقصور همتك تأمل بيت الشعر هذا ففيه جواب لحيرتك:من يندب الحظ يطفئ عين همته ..لا عين للحظ إن لم تبصر الهممفثق أن كثرة الشكوى مجرد عادة اكتسبتها أنت وليس مرضا نفسيا أصبت به أو ورثته، فاحرص على التخلص منها. إن عادة الشكوى ستحيلك لإنسان عبوس، وستشعر بالإعياء المستمر، بل ستجد نفسك تتفاعل بشكل سلبي مع كل حدث في حياتك، حتى ينفضَّ عنك من حولك ضجرا ومللا. فقد أظهرت الدراسات والبحوث أن عادة الشكوى تؤثر سلبا على الصحة الجسدية والنفسية لمن يكثر الشكوى، فهو معرض للإصابة بأمراض القلب، والضغط، والسكر،والاكتئاب والقلق وغيرها.لا تظن أن كثرة الشكوى فضفضة تريح الخاطر، فالفضفضة إن زادت تدل على تذمرك وعدم تقبلك لجميع ظروف حياتك، واعلم أن المقولة المشهورة ((كل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده)) تنطبق على هذا الحال، فتوقف عن الشكوى كي لا تضر بنفسك وبمن حولك، فأنت تشكل عبئا نفسيا على من حولك؛ فهم مضطرون للاستماع لشكواك والعيش في جو الكآبة الذي صنعته لنفسك، فاحمِ من تحب من نفسك احمِ أبناءك، زوجك، أصدقاءك من هذا الداء فأنت تُعدي من حولك بالطاقة السلبية والهم والكآبة، فتنشر داء دواؤه صعب عسير، فلايقي الناس منك كمام ولا معقم.لا تدَّعي أنك تطلب المشورة بشكواك؛ فالحقيقة أن الشكوى بالنسبة لك وسيلة دفاعية لتهدئة الاضطراب الداخلي، وإقناع ذاتك بأنه لا جدوى من بذل الجهد لتغيير أوضاعك إلى الأحسن بالسعي والاجتهاد. فمن يكثر الشكوى لا يستمع للحلول، بل سيواصل الشكوى مستمتعا بالحديث عن الهموم، والتمسكن واستجداء العطف والشفقة.وتنقسم مواقف الآخرين منك إلى نوعين: الأول هو المتعاطف معك، والذي يمكن أن يحزن ويتأثر نفسيا من تلك الشكوى؛ فتحيل حياته لشقاء ويتحول لضحية من ضحاياك، والصنف الآخر الذي لم يعد يطيق الاستماع إليك؛ فالناس يكرهون الحزن والبؤس ويميلون للابتسامة والسعادة.فقاوم نفسك وتوقف عن هذه العادة، فهناك طرق مختلفة لذلك، أهمها انشغل بممارسة الرياضة لاسيما الرياضة الجماعية، فهي تخلصك من الطاقة السلبية، ونم نوما كافيا، فقلة النوم تقلل من إفراز هرمون السعادة، واشكُ همك لربك في سجودك، وأطل السجود وأكثر الدعاء، وثق أن وضعية السجود تساعدك على تقبل الهموم برضا نفس واستصغارها حيث يزيد تدفق الدم إلى المخ فيساعدك على الاسترخاء، واستخدم طرق توقيف العادات السلبية وأهمها معاقبة النفس، كأن تضع حصالة وفي كل مرة تشكو فيها تضع ريالا في الحصالة كصدقة ثم تعد في نهاية كل أسبوع كم عدد المرات التي شكوت فيها، في محاولة لتقليل عدد مرات الشكوى، أو غيرها من طرق معاقبة النفس، واستعن بمن حولك ليوقفك عن الشكوى، وثق أنه لا يوجد دواء عقاري لهذا السلوك، بل هو تدريب من نفسك لنفسك، وتذكر قول الشاعر البوصيري:والنفس كالطفل إن تهمله شب على ..حب الرضاع وإن تفطمه ينفطموتذكر أن كثرة الشكوى تنقص قدرك بين الناس، فهو دليل ضعف قدراتك وعدم رضاك بالقدر، وردد هذا البيت للشاعر كريم العراقي:شكواك للناس يابن الناس منقصة ..ومن من الناس صاح مابه سقمويامن ابتليت بقريب أو صديق اعتاد الشكوى، انجُ بنفسك منه قبل أن يعديك، ويحيل حياتك لبؤس وتذمر وعدم الرضا بالقدر، فالحل الوحيد لمن اعتاد الشكوى هو إيقافه، وعدم السماع له، بل حاول أن تعديه أنت بتفاؤلك ومرحك وسعادتك... ودمتم أبناء قومي سالمين.كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية متخصصة في التطوع والوقف الخيري [email protected] @Najwa.janahi