مؤكدا أهمية الترجمة في تطور العلوم وإثراء الثقافاتكتب ـ خميس الصلتي:يأتي الحديث مع الكاتب جمال بن مبارك النوفلي من خلال التطرق إلى سياقات متعددة في الشأن الأدبي، حيث الشعر وأدب الرحلات وتفاصيل الترجمة المتعددة، فهو ذلك الكاتب الباحث عن التغيير والتفاصيل الأكثر دهشة بين مسارات الكتابة، وعرف عن النوفلي أنه صاحب مقالات متعددة، جمعها في كتاب بعنوان “فارق توقيت”، مرورا بإصدار آخر حول السفر والترحال والبحث عن حقائق الشعوب بعنوان “هيا نحضر عرسا في اليونان”، أما الآن فهو يعمل مع مجموعة من الرفقاء لعمل تحول واضح في مسار الترجمة في السلطنة، من خلال لجنة متخصصة تحت مظلة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء .. حول هذه التفاصيل كان الحديث مع النوفلي..يتحدث الكاتب النوفلي عن عوالم أدب الرحلات وخصوصيتها، المحفزات التي مهدت لتكوين تلك الخصوصية وهنا يشير: أدب الرحلة هو نوع من الكتابة السردية يحكي فيها الكاتب ما شاهده من طبيعة أو عمارة وما عايشه من مجتمعات وما خالطه من أشخاص ومواقف، يروي كل ذلك بأسلوب أدبي مشوق، فخصوصية هذا الأدب هو أنه أدب واقعي وحقيقي بمعنى أنه يروي لأشخاص حقيقيين ومواقف حقيقية، كما أنه أدب متنقل؛ أي أن النص يتنقل بقارئه إلى عوالم مختلفة وحيوات جديدة، أما المحفزات التي دعتني إلى الكتابة في هذا النوع من الأدب فهي كثيرة أهمها أنني أحب السفر كثيرا وأجد متعة في لقاء أناس جدد ومدن جديدة بكل ما فيها اختلافات ومفارقات ثم أحرص على نقل تجربتي إلى القراء بأسلوبي الأدبي.500 سنةفي السلطنة هناك عدد من الأسماء التي تعمل على تكوين كيان أدبي خاص بهذا الأدب، أدب الرحلات، ولها إصدارات عديدة بهذا الشأن، ويعلق النوفلي حول هذا الحضور الأدبي، وما إذا هو كاف للإقرار أن هناك مساحة مستقلة بذاتها في هذا الشأن ويقول: العمانيون كتبوا في أدب الرحلات منذ أكثر من 500 سنة وكانت رحلة محمد بن مداد الناعبي للحجاز هي أول رحلة عمانية مكتوبة، ثم شاع هذا الفن كثيرا في عهد البوسعيد لأن هذا الأدب كان مرتبطا بتوثيق رحلات السلاطين، وكان السلاطين يحرصون على إرفاق العلماء والكتاب في رحلاتهم لتوثيقها كزاهر النخلي الذي رافق السلطان برغش في رحلته إلى أوروبا وألف كتابه تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار، والشيخ سعيد المغيري رافق السلطان خليفة بن حارب أيضا إلى أوروبا وألف كتابا عن الرحلة، والشاعر أبو مسلم البهلاني وثق رحلة السلطان حمود بن محمد إلى الأقطار الإفريقية الشرقية، أما السيد حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي فقد ألف كتابا أسماه “الدر المنظوم في ذكر محاسن الأمصار والرسوم” وصف رحلته من زنجبار إلى مكة ثم مصر فسوريا ولبنان حتى القدس عام 1872 ميلادي. في العصر الحديث ظهرت كتابات متفرقة من هنا وهناك ولعل أبرزها كتاب “عبر وذكريات من أدب الرحلات” للشيخ سعيد بن حمد الحارثي الذي كتب على الطريقة التقليدية في الكتابة والسرد، ثم تجربة المغفور له الكاتب محمد الحارثي، الذي أعده رائدا في أدب الرحلات العماني المعاصر حيث انتشرت كتبه ولاقت رواجا واسعا نال من أجلها جائزة ابن بطوطة وذلك لما تتمتع به كتابته من صدق وموسوعية وبراعة في الأسلوب واللغة كونه شاعرا قبل كل شيء، وهناك تجارب جديرة بالاهتمام كتجربة خلفان الزيدي الذي صدر له مؤخرا كتاب (عشر سماوات فاتنات) وكتاب آخرون لا يسعنا المجال أن نذكرهم جميعا، مما يقودنا إلى أن نقر بأن هذا النوع من الأدب متجذر وأصيل وجدير بالالتفات إليه، فله مساحة مهمة في الأدب العماني.عرس اليونانلكتاب “هيا نحضر عرسا في اليونان”، خصوصية الكتابة لدى جمال النوفلي، وقد يكون الطريق إلى فضاءات أدب الرحلات أيضا، وهنا يقرّبنا من هذا الكتاب، وما أضافه إلى مسيرته في عوالم الكتابة، وهنا ويؤكد: يعتبر بعض القراء أن كتاب “هيا نحضر عرسا في اليونان” هو أفضل كتبي، على الرغم مما فيه من سهولة السرد والحكي، ولعل ذلك أحد أسباب رواجه، بالإضافة إلى خصوصية المكان وغرائبية الناس والمواقف، وجاذبية العنوان، فما وقع في تلك الرحلة من مواقف جديرة بإثراء الكتاب، لا سيما أن اليونان هي وحدها دولة عريقة تملك تاريخا قديما عظيما، بالإضافة إلى ثيمة النص الجاذبة وهي حضور عرس في اليونان، حاولت أن أستقصي جمال وتاريخ وجغرافية الجزر اليونانية التي زرتها وهما جزيرة هايدرا وجزيرة إيكاريا مع أصدقائي مبرزا ثقافة أهلها وعاداتهم المختلفة، طبعا بالإضافة إلى العاصمة الشهيرة أثينا، الأمر الذي أضاف لي مجالا للبحث والقراءة والتقصي عن هذه الشعوب وتاريخها وعلاقتها بالشعوب التي حولها وأوليت عناية خاصة بعلاقتها التاريخية بعمان والشعب العماني القديم، حيث كان لعمان واللبان حضور في تاريخهم وأساطيرهم، كون عمان تقع في أقصى الدنيا وبها ثروات مقدسة كاللبان الذي يستخدمونه في معابدهم.الشيخ في الأردن“الشيخ وأنا والأردن”، كتاب يرصد ذات النوفلي الشخصية وقربه من صديق حياة، قد يبدو مختلفا عن غيره من الأصدقاء.. وهنا يعرفنا بهذا الكتاب، والخبايا الإنسانية والأدبية والملامح الذاتية ويقول: هذا الكتاب هو آخر ما كتبته، تدور قصته حول رحلتي مع أحد أصدقائي إلى المملكة الأردنية، يتميز هذا الكتاب بأنه يذهب بعيدا لسبر الذات الإنسانية وصراعها في ثنائيات الخير والشر، الغنى والفقر والأخذ والعطاء، والصحة والمرض، مع عدم إغفال المنهج السردي والتاريخي لدولة عريقة مثل الأردن التي تقع في منطقة حساسة جدا في عمق الشرق الثائر الذي لم يهدأ من التقلبات التاريخية والحروب، لا سيما أن الأردن تقع في فوهة المدفع مع فلسطين المحتلة وتحيط بها دولتان تعانيان من ويلات الحرب هما سوريا والعراق، متطرقا إلى العديد من العلاقات الإنسانية بين العربي والعربي، فهناك العربي المهاجر والعربي اللاجئ والبدوي والحضري والإثنيات الدينية والعرقية، الأردن بالرغم من كل الهالة السياسية والتاريخية العنيفة المحيطة به فهو بلد سياحي جميل فيه العديد من الآثار التاريخية الرومانية كالمدن والمعابد والإسلامية كالقصور والقلاع والجبال الخضراء والأنهار والشلالات الدافئة، غير الحدائق والمتنزهات والمتاحف والأماكن المسيحية المقدسة، كل ذلك يدعو إلى وضعه في خارطة السياحة.ساحة غير مشجعةويقترب النوفلي من الساحة الثقافية في السلطنة، والعطاء الأدبي فيها وما أعطته للكاتب العماني وماذا أخذت منه، وما إذا كانت مشجعة للإبداع وتوجهاته، وهنا يقول بصراحة: أجد نفسي في وسط الساحة على الرغم من ضعف وقلة إنتاجي، لكني لا أحب أن أكون في الطرف، فراحتي حين أكون في وسط المعمعة طالما لدي الوقت والطاقة، وأكون عادة متفاعلا مع أغلب الفعاليات الثقافية التي تقام في الجمعية العمانية للكتاب والأدباء وفي النادي الثقافي وغيرها من الفعاليات القريبة، أحرص على زيارة من يكبرني سنا وفكرا من المثقفين وأحاول أن أصنع علاقات جيدة مع سائر المثقفين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم لأكون صديقا لهم وأتعلم وأستفيد منهم وأتعاون معهم، طبعا لا يفلح ذلك دائما لأن العلاقات الإنسانية معقدة جدا، لكني أحرص على أن أملأ قلبي بالرغبة والتسامح والمحبة، حتى الخلافات التي تقع أحيانا أرى أنها مفيدة وصحية فمنها نتعلم من أخطائنا ونعرف أنفسنا، أما الساحة فهي ليست مشجعة للإبداع إذ يوجد فيها الكثير من الغث والقليل من النقد، حتى أن الكاتب بسبب كثرة المجالات وخداع برامج التواصل الاجتماعي وخلو الساحة من النقد يظن في نفسه أنه بلغ أعلى درجات الإبداع، بالإضافة إلى ظهور فنون نشاز من الأدب والفن والموسيقى والمسرح والمسلسلات عامة، وتوجه الجماهير إليها بدلا من الفنون الراقية التي ترفع من الذائقة وتلامس الروح وتزكيها، وكل ذلك عائد إلى كثرة المجاملات وغياب النقد، نحن بطبيعة الحال لا نحب النقد والبعض يشترط على الناقد أن يبرز حسن النص لا عيوبه وهذا في رأيي خطأ، المجاملة تصنع ثقافة ضعيفة ومشوهة ومثقفين ضعافا وأغبياء ومزيفين، لكننا أيضا لا نطلب من الناقد أن يستخدم النقد أداة للتشهير والفضح وتصفية الحسابات فهذا ليس من النقد في شيء، هذه التصرفات هي وسيلة دنيئة للوصول إلى الشهرة وإرضاء النقص الذاتي على حساب الآخر.لجنة الترجمةالكاتب جمال النوفلي رئيس للجنة الترجمة بالجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وهنا يعرفنا على هذه اللجنة ومقتضياتها عن قرب حيث يقول: اللجنة من ضمن 4 لجان تخصصية في الجمعية، حيث قررنا في الجمعية أن تكون هناك لجنة خاصة بالترجمة لأهمية هذا المجال لتطوير العلوم ونقلها من الثقافات الأخرى إلى ثقافتنا العربية، لا بد أن يكون لعمان دورها الحضاري في العلوم وتبادلها وأن نكون سباقين في هذا المجال نظرا لأهميته ولأهمية عمان كأول دولة عربية كونت علاقات مع شعوب العالم المحيطة بنا والبعيدة، وقد قمنا بتأسيس اللجنة مع مجموعة من المترجمين العمانيين ووجهنا دعوة لجميع المهتمين والمترجمين العمانيين إلى المشاركة معنا سواء عن طريق الانتساب إلى الجمعية إن كان المترجم من الذين تنطبق عليهم شروط العضوية أو من خلال المساهمة معنا في ترجمة الكتب والمقالات والمواد المرئية المعرفية والأدبية، أو المشاركة في الفعاليات التي نقيمها بين الحين والآخر، نهدف من خلال هذه اللجنة إلى إثراء المحتوى العماني والعربي بنتاج معرفي مترجم وتنمية الفكر العلمي في مجال الترجمة والعمل على تطويره وتنشيطه.قريبا سنقرأكما يطلعنا (النوفلي) على ما سنقرأ له قريبا ويفصح بالقول: أشتغل الآن على كتابة رحلتي إلى فرنسا وسويسرا وألمانيا، لا أدري متى سأنتهي من الكتابة، لكنني عندما أنتهي سأضع لها عنوانا (باريس التي لا تطاق) لأنني لم أحب هذه الرحلة، وقعت لي الكثير من الأحداث المشينة، إنها مشينة ومؤلمة وقبيحة لدرجة أنني أجد صعوبة شديدة في إكمالها، لكن سوف أكملها حتما، صديقاتي فين وسلينا ولارا في مدينة تشافهاوزن السويسرية هن الشيء الوحيد الذي يدفعني إلى إكمال كتابة الرحلة الصعبة، وأرجو من الله أن يوفقني كي أنتهي منها في مطلع العام المقبل.