رفيف عبدالله الطائي:
الطيور على أشكالها تقع..... مثلٌ عربي تغنت به العرب قديما وما زال متداول حتى الآن، ولكن ما حقيقة هذه المقولة؟ وما المقصود منها؟ وعلى ماذا تدل؟ ... والأهم هل هي حقيقة جزمية لا تخضع للنقاش أم هي مقولة عابرة قيلت في وقتها وليست حقيقة نجزم بها ونعتمد عليها.... من خلال أسطري سأطرح رؤيتي الخاصة لهذه المقولة.

من المتعارف عليه إن الطيور لا تتعايش إلا مع فئتها كالعصفور مثلاً يغرد للعصافير... وسرب الحمام لا يكون إلا مع الحمام ولا يطير بسرب واحد مع الغربان وغيرها من أنواع الطيور.... بمعنى كل سلالة تتعايش مع بعضها... حقيقة علمية لبيئة تعايش الطيور ....وأيضاً تتشابه في طريقة العيش وطبيعة المسكن والتنقل الموسمي.

ولكن هل صحيح أن تصبح المقولة حكمة جزمية في تعايش البيئة الإنسانية؟
كما نعلم مقولة المثل الطيور على أشكالها تقع.... بمعنى أن الناس لا تتعايش إلا مع اشباهها في الشكل وطبيعة الفكر والحياة، وهل ذلك صحيح وجزمي وحتمي؟

وهل حقا الشرير لا يصادق إلا شريراً، والشخص الوفي لا يتعايش إلا مع الوفي، والعصبي لا بد أن يتعامل مع العصبيين؟ فهل من المنطق تعايش العلاقات الإنسانية مبنية على ذلك؟

منطقيا أصابع اليد ليست متشابهة... والأخوة الأشقاء من أم وأب..... مختلفين في الطباع والتفكير وأسلوب الحياة... إذن الطيور ليس صحيح على أشكالها تقع... ومن الظلم أن نشبه العلاقات الإنسانية التي كرمها الله سبحانه وتعالى بطبيعة العلاقات ما بين الطيور... قد تكون هذه المقولة قيلت في وقتها وظرفها وكان لسبب موقف يستحق قوله ولكن ليس لدرجة نجعلها حقيقة جزمية.
ومن زاويتي...فأنا لا أتفق مع هذا المثل... حيث من الممكن العلاقات الاجتماعية تتآلف بالود والاحترام ويكون هناك اختلاف كبير في طبيعة وأسلوب الحياة... وعلى الرغم من هذا الاختلاف يكسب هذه المعرفة عمق الصداقة.

فليس شريطة أن الصديق يصادق من يشبهه فقد يصادق من هو مختلف لأنه يحتاج لهذا الاختلاف لأنه يعد نقص بشخصيته، فعلى سبيل المثال.... الشخص المتسامح والمسالم يحتاج لصداقة شخص قوي يساعده على المواجهة، وعلى العكس فقد يتنافر المتشابهان ويتجاذب المختلفان... فيزيائيا التنافر يحدث عند التشابه وبالاختلاف تتجاذب الأشياء.

ولنكن على يقين إن الأمثال ما هي ألا مقولة وقتية وليست جزمية تطبق على مر الأزمنة...حيث تتغير الظروف وطبيعة الحياة من حقبة زمنية لأخرى... فنحن الآن في زمن التقنيات والتكنولوجيا ... زمن مداركه أصبحت أشمل وأوسع عن السابق... بات يستهوي الناس جميع الثقافات والأفكار رغبة لمعرفة المزيد... فلا نستطيع أن يصبح تعايشنا في هذا الزمن على أن التعايش لابد أن يكون مع شخص يشبهنا جملة وتفصيلا.... قد يكون أمر التشابه وارد ولكن ليس بالجزم أنه صائب لمعرفة مستمرة وصادقة.

ومن رؤيتي... كل ذات إنسانية تحتاج لنقيضها لتكمل نواقصها، لذلك فكل ذات تبحث عن هذا النقيض في الصفات والاخلاقيات والمباديء. وهذا هو المطلوب من أجل بيئة صحية سليمة بالتعايش مع مختلف البيئات التي نصادفها... فأصحاب الأسرة الواحدة ليسوا متشابهين في الطباع والتفكير وتتفاوت ردود أفعالهم عند أي موقف أو حدث... البيئة العملية من أهم البيئات التي يجب التأقلم بها مع الطبائع المختلفة... هي مسألة فن التعايش لذلك لا تجزم قطعا بصحة مقولة الطيور على أشكالها تقع... وهو مثل دارج أخذت عليه الألسن في بعض المواقف ليس إلا.

التعايش الاجتماعي لا يهم إن كان هناك به اختلاف أو تشابه والأصح أن يكون الاختلاف موجود لأنه مكمل للنواقص لكلا الأطراف... الأهم أن يسود العلاقات الإنسانية الود والاحترام والتفاهم والوفاء والصدق.... ولا نستطيع الجزم أن الصديق الكاذب أن صادق شخص ما... حتما صاحبه كاذب... قد يكون هذا الصاحب يفهم طبيعته ولكن لأجل بقاء الود والصحبة يتغاضى عن كذبه.

إن الحياة وظروف المعيشة قد تحتم علينا أن نتعامل مع أناس مختلفين فكراً وثقافةً وهنا لا يسعنا إلا التعايش مع هذه الوضعية والظروف التي باتت الحياة العصرية مجرد تعايش حتى مع المختلفين عنا، للعيش بشكل سلمي وصحي وسليم.

إذن ليس صحيح إن الطيور على أشكالها وإنما الحياة قد توقعنا على غير أشكالنا وقد أوقعتنا على مختلفينا وتعايشنا معهم بحب وود وألفة.

فالظاهرة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية عند التعامل البحث عن النقيض للذات الإنسانية، فلا تلزم نفسك في البحث عن من يشبهك وابحث عن النقيض لكي يكمل ما ينقصك.. لأن الحياة أخذ وعطاء.

هكذا هي معادلة العلاقات الإنسانية الناجحة ولا تعش على وهم التطابق والتشابه ولا تلزم نفسك على مقولة وثقافة قديمة كانت صحيحة في زمنها، فأنت في زمن التغيير والتطوير...فجدد فكرك ولا تجعل ثقافات وأفكار بالية قديمة هي من تسير حياتك.

إن دورة زمن الحياة متجددة وكذلك العلاقات الإنسانية تتجدد لأنها دوما تبحث عن النقيض الغامض.

لا تجزم بمقولات وأمثال عفى عليها الزمن طور ذاتك بما يتماشى مع العصر والزمن الذي تعيشه ولا تعش في بوتقة مثل قديم حقيقته ليست جزم صحيح وحينها تخسر علاقاتك الاجتماعية.