[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
(أسوأ الناس الذين قابلتهم في حياتي، أولئك الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم) تلك هي الحكمة التي خرج بها هتلر النازي الذي أخضع معظم أوروبا لملكه. الخونة ذكرهم التاريخ في ذيل صفحاته، وتداولت قصصهم كنوع من التقزز والاشمئزاز، أمثالهم ساعدوا المستعمر لاحتلال أوطانهم. إذًا فلا عجب أن يساعدوا المعتدي على هدم الكعبة المشرفة! فعلها قديما شخص عربي يدعى أبو رغال، وأرشد أبرهة الحبشي على هدمها مقابل المال، ولأن للكعبة ربا يحميها، فقد أنزل الله الدمار على أبرهة وأصحاب الفيل والخائن أبو رغال (وأرسل عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول) صدق الله العظيم في كتابه الكريم.
ولا عجب أيضا عندما تأتي الطعنة والغدر والخيانة، التي تعرض لها يوليوس قيصر مؤسس الامبراطورية الرومانية من أحد أكثر الأحبة المقربين إليه ماركوس بروتس، وحين رأى طاعنه بأُم عينه فلم ينطق وهو ينازع الموت سوى بكلمته الخالدة (حتى أنت يا بروتس)، الخيانة فعل متوقع من كل غادر، لكن تتعاظم وتستفحل وتصبح من الكبائر، حين تأتي من الثقات، وحين ترد من أبناء الوطن.
حين سقطت دولة العراق 2003، وانهارت ودمرت بفعل الخيانة، وانسحبت قوات الجيش بدون مقاومة أمام الغزو الأميركي، تذكرت حينها ابن العلقمي، أشهر خونة العرب، وابن العلقمي هذا كان وزيرا للخليفة العباسي المستعصم بالله، ظل ابن العلقمي، وهو في هذا المنصب الحساس، يراسل هولاكو الحاكم المغولي سرا، ويطلب منه احتلال بغداد وأن يكون له دور في حكم العراق.

ولكي تكون المهمة سهلة على هولاكو، قام ابن العلقمي بتسريح 90 ألفا من الجنود، وأبقى على عشرة آلاف فقط لحماية بغداد، بحجة تقليل النفقات وتحويل الإنفاق إلى الطعام والترفيه، ولا حاجة للتدريب على القتال أو شراء الأسلحة أو المعدات الحربية، تماما كما يفعل أحفاد ابن العلقمي حاليا في إفشال الأوطان العربية وتدميرها.
بعدما مهد ابن العلقمي الطريق، طلب من هولاكو أن يأتي بغداد، وطلب من الخليفة أن يذهب بنفسه هو والأمراء وأعيان البلاد محملين بالهدايا الثمينة إلى هولاكو، على أساس أن بهذه الطريقة ربما يتراجع هولاكو عن احتلال العراق، وبالفعل ذهب الخليفة بحاشية من 700 فرد فقط، وما أن شاهدهم هولاكو قتلهم جميعا، ثم قتل بعدها الخليفة نفسه، ليدون العام 1258 سقوط الدولة العباسية، وتدمير بغداد تدميرا شاملا بشريا وثقافيا، وقتل حينها ما يقرب من المليون شخص، ورغم كل هذه الخسائر، لم يحصل ابن العلقمي على أي شيء سوى الخزي والعار، ومات بعدها ملوما مقهورا محسورا.
أحفاد ابن العلقمي الآن أكثر ذكاء وأشد خيانة، حيث يتم صناعتهم باحترافية ومهارة ليعملوا تحت الشمس، فلم يعد دورهم قسرا على تمهيد الطريق للمستعمر، بل يصنعون له الطريق ويجعلونه يتجول فيه، هم كثر تجدهم في فيلم سينمائي، أو مقالة في جريدة أو برنامج في محطة فضائية، أو عنوان في رواية أو شخوص في مسرحية، هم يغردون باحترافية عبر حسابات تويتر، ويبثون رسائلهم بخبث على مواقع التواصل الاجتماعي، تجدهم يستقوون بالخارج ويستدعون القوى الأجنبية للتدخل والاحتلال، مهمتهم المقدسة الوصول بالوطن نحو الانهيار والفشل مقابل الارتزاق.
يحصدون المال على شكل جائزة عالمية، قد تصل أحيانا لجائزة نوبل أو السعفعة الذهبية، أو الأوسكار أو جوائز النشر العالمية، يكرمون أمام كل الناس (في النور يعني)، أما إذا كانوا من السوقة الباحثين عن التكسب، فإنهم يقبضون الثمن عن طريق حسابات سرية معقدة.