د. يوسف بن علي الملَّا:
من المعروف بأن البشر غير مدركين أو غير مكترثين إلى حد ما في موضوع الإبلاغ عن حاسة الشم الخاصة بهم. فمثلا إذا سألتك إذا كانت حاسة الشم اليوم أفضل أو أسوأ قليلا مما كنت عليه بالأمس، فلن تلاحظ أية تغيرات خفيفة! فحاسة الشم لدينا تتناسب مع عبارة كلنا يعرفها (عدم ملاحظة مدى أهميتها حتى تفقدها). طبعا وخصوصا خلال جائحة كورونا الكثير من الأسئلة أصبحت تتناقل وتسأل، وذلك لأن الناس أصبحت قلقة بشأن فقدانهم للرائحة أو حاسة الشم. ولعل عددا من المرضى الذين أصيبوا بفيروس "كوفيد19"، تطوَّر لديهم ذلك القلق في الغالب من احتمال أنهم أصيبوا بفقدان حاسة الشم بشكل عرضي خلال إصابتهم بالفيروس وخوفهم من فقدان تلكم الحاسة!
بطبيعة الحال، يعد فقدان حاسة الذوق أو التذوق وفقدان حاسة الشم من أكثر الأعراض غير المألوفة لفيروس "كوفيد 19"، وهي أعراض أكثر 20 مرة على الأقل للتنبؤ بإيجابية الفحص لكورونا من أعراض كالحمى والسعال. ولذلك ما زال يسأل العديد ممن عانوا منها ما إذا كانت هذه الحواس ستعود، ومتى؟ للأسف ضعف حاسة الشم عائق غير مرئي، ومن الصعب نفسيا لعدد من الناس التعايش معه، وهذا هو الثمن الذي يدفعه بعض الناس بعد النجاة من فيروس كورونا، حيث يواجه ربما البعض عدم القدرة على الشم على المدى الطويل، وقد يمثل هذا 10% من تلكم الحالات!
من ناحية أخرى، الدراسات ما زالت مستمرة حول فيروس كورونا (كوفيد19) وكيف أنه يلتصق بالخلايا عبر إنزيم معين كنقطة دخول لجسم الإنسان، مما يجعل الخلايا التي تحتوي على هذا الإنزيم هي الأكثر عرضة للخطر. ناهيك أن الأشخاص الذين يتعافون بسرعة أكبر من فيروس كورونا، من المحتمل أن الفيروس قد أثَّر فقط على الخلايا المبطنة لأنوفهم، بينما الأشخاص الذين يتعافون ببطء أكثر، فقد يكون الفيروس أثَّر على الأعصاب المرتبطة بحاسة الشم، فتستغرق هذه الخلايا العصبية وقتا أطول في الإصلاح والتجديد. وبالرغم مما ذكر والعديد من الأبحاث المستمرة، فإنني متفائل بالدراسة الأحدث والتي أكدت أن فقدان الرائحة أو حاستها لا يبدو دائما، وذلك لأن الخلايا العصبية الحسية المسؤولة عن كشف الرائحة وإرسالها للدماغ ليست معرضة لفيروس كورونا، وبدلا من ذلك فإن الخلايا التي توفر الدعم للخلايا العصبية هي التي تسلَّل إليها الفيروس وأدت إلى ضعف الرائحة.
حقيقة من الصعب معرفة من سيستعيد حاسة الشم لديه ومن لا يفعل. الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله، هو أنه إذا بدأ المريض خلال الفترة التي تلي تحسنه من فيروس كورونا مثلا وبنفس العام، بملاحظة بعض التحسن فهذه علامة جيدة ومبشِرة. وبكل تأكيد لا أعتقد أن أي شخص يمكن أن يقدر حجم المعاناة لهؤلاء المرضى، فالخسارة هنا قد تعني تغير علاقات الناجين من كورونا مع الناس والطعام والبيئة التي حولهم، مما يعقِّد الطريق لتعافيهم، وقد يصلون لمرحلة الاكتئاب والعزلة. فتخيَّل معي كيف أن البعض قد يفقد اهتمامه بإعداد الطعام لأنه أصبح لديه ضعف بحاسة الشم والرائحة، أو تلك الأم التي لا تستطيع أن تشم رائحة طفلها الرضيع! ولعلي أقول هنا إننا نصدم عندما تختفي هذه الحاسة، وحينها وبشكل متأخر نعي أننا لم ندرك أننا نستخدم هذه الحاسة كل يوم، وأنه قد يصل بنا عند فقدها أننا قد لا نكتشف الخطر عند حصوله، كخطر اشتعال النار مثلا، وأن الشخص قد لا يستبق الأمر ويشم شيئا ما، والمقلق كيف له أن يعرف ما إذا كان هنالك تسرب بالغاز أو حريق في المنزل مثلا!
من ناحية أخرى هنالك أمراض معينة فد تؤدي إلى فقد حاسة الشم أو ضعفها، من الزكام البسيط والحساسية المسببة لضعف حاسة الشم بشكل مؤقت إلى حالات خطيرة تؤثر على الدماغ أو الأعصاب وتنتهي بفقدان دائم لحاسة الشم. أما الفقدان المؤقت أو ضعف حاسة الشم بعد الإصابة بفيروس كورونا، قد لا يحتاج إلى علاج محدد، مع تحسن الحاسة. ومع ذلك عندما يستمر ضعف الحاسة ما بعد الأسبوعين، فقد يكون من المعقول النظر في العلاج. وهنا من الجيد أن نعي أن فعالية العلاجات المتاحة حاليا للمرضى الذين يعانون من فيروس كورونا وضعف حاسة الشم غير معروفة إلى الآن!
وهنا أجد أنه بلا شك البدء بتدريب حاسة الشم لمثل هذه الحالات قد يكون مناسبا، لأنه ليست له آثار سلبية، ويكون بشكل متكرر مع عدد من الروائح كالليمون والورد أو القرنفل ولمدة 3 أشهر على الأقل، ناهيك عن استخدام بعض الأدوية المساعدة والتي ينصح بها الاختصاصي في هكذا حالات، خصوصا وأن الخلل في حاسة الشم قد يسبب بشكل غير مباشر مشاكل في التذوق ولأنهما حاستان مرتبطتان لحد ما.
بالنهاية، تدريب حاسة الشم هو ماراثون أكثر منه أن يكون سباقا لمحاولة التشافي، فالأشخاص الذين يمارسون تدريب الرائحة لديهم نتائج أفضل من أولئك الذين لا يفعلون شيئا، وطبعا ليس من المضمون إعادة تلك الحاسة. فضعف أو فقد حاسة الشم يظهر وكأنه ظاهرة غريبة، ولكنه قد يكون مدمِّرا لبعض الأشخاص الذين يستمر لديهم هكذا ضعف، منتهيا بعواقب نفسية خطيرة في بعض الأحيان، فلا تدفع ثمن تجاهلك للتعليمات الصحية وتقع فريسة لفيروس كورونا ومضاعفاته الصحية.

- طبيب، مبتكر وكاتب طبي