نقل عذابات الفقد واغتراب الشعب الفلسطيني في فكره وشعره• (الثقافة الفلسطينية) : تخسر فلسطين رمزاً من رموزها الإبداعية وعلماً من أعلامها النضالية الكفاحية • صائب عريقات : كتب تاريخاً لفلسطين بقصائد الشعر الوطنيسنرجع يوماً إلى حيّنا... ونغرق في دافئات المنىسنرجع.. مهما يمرّ الزّمان... وتنأى المسافات ما بيننافيا قلب مهلاً، ولا ترتمي... على درب عودتنا موهناسنرجع.. مهما يمرّ الزّمان .. وتنأى المسافات ما بيننا... برائعته هذه التي تغنت بها فيروز وروائعه الشعرية التي رسمت خارطة لحلم الخلاص والعودة يبقي الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد الذاكرة حية تنبض باسمه مهما يمر الزمان .. ورغم أنه فارق الحياة أمس الأول عن عمر ناهز 93 عاما في مغتربه بكندا إلا أنه كان مثالا للفلسطيني المناضل والمكافح المقاوم للمحتل عبر مواقفه وتجلياته الشعرية العميقة، وما غاب وطنه ولا القضية الفلسطينية عن تفاصيل حياته وذاكرته وفكره وشعره، واصفا عذابات ومشاعر الفقدان والاغتراب العميقة التي عايشها الشعب الفلسطيني عبر السنين.وقد نعت وزارة الثقافة الفلسطينية أمس الأول واصفة إياه بالشاعر الوطني الكبير هارون هاشم رشيد وقالت في بيانها على لسان عاطف أبو سيف وزير الثقافة الفلسطينية: إن رحيله خسارة للثقافة الوطنية الفلسطينية والعربية، وتخسر فلسطين رمزاً من رموزها الإبداعية وعلماً من أعلامها النضالية الكفاحية، الذي كرس حياته وعمره من أجل الحرية والخلاص والعودة. وقال وزير الثقافة الفلسطينية : عزاؤنا بالفقيد الكبير ما تركه من أثر وإرث كبير في الثقافة والشعر والوعي، للأجيال التي تحفظ اسم المناضل والشاعر، الذي رهن حياته من أجل قضايا شعبه ووطنه. وتقدم أبو سيف إلى عائلته وإلى جميع المثقفين والكتاب والشعراء الفلسطينيين بالتعازي والمواساة، برحيل شاعر العودة والحرية هارون هاشم رشيد.من جانبه تقدم الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في تغريدة له بأحر التعازي والمواساة من عائلة الفقيد والشعب الفلسطيني بوفاة الشاعر الفلسطيني الكبير ابن غزة "هارون هاشم رشيد". وقال في تغريدته (إن رشيد كتب تاريخاً لفلسطين بقصائد الشعر الوطني، رحمه الله).وكانت وزارة الثقافة الفلسطينية، اختارت الشاعر الراحل شخصية العام الثقافية في العام 2014 تقديراً لدوره الفاعل والكبير في سبيل إعلاء قضية الشعب الفلسطيني الثقافية والسياسية.ولد الشاعر هارون هاشم رشيد، في حي الزيتون بمدينة غزة عام 1927، ومنذ طفولته شهد على الأحداث والتطورات التي شكلت المأساة الفلسطينية، ودرس هارون هاشم رشيد في مدارس غزة فأنهى دراسته الثانوية في عام 1947، وحصل على شهادة المعلمين العليا. بعد حصوله على الدبلوم العالي لتدريب المعلّمين من كليّة غزة عمل في سلك التعليم حتى عام 1954، انتقل للعمل في المجال الإعلامي فتولي رئاسة مكتب إذاعة "صوت العرب" المصرية في غزة عام 1954 لعدة سنوات، وعندما أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية كان مشرفا على إعلامها في قطاع غزة من عام 1965 إلى 1967، وبعد سقوط غزة في أيدي الإسرائيليين عام 1967 ضايقته قوات الاحتلال الإسرائيلية وأجبرته في النهاية على الرحيل من قطاع غزة. فانتقل إلى القاهرة وعين رئيسا لمكتب منظمة التحرير فيها، ثم عمل لمدة ثلاثين عاما كمندوب دائم لفلسطين في اللجنة الدائمة للإعلام العربي واللجنة الدائمة للشؤون المالية والإدارية بالجامعة العربية. إضافة إلى ذلك واصل عمله الإبداعي في الكتابة والصحافة والتأليف والشعر.وأصدر الشاعر الراحل قرابة عشرين ديواناً شعرياً منها (الغرباء عام 1954، وعودة الغرباء 1956، غزة في خط النار، حتى يعود شعبنا 1965، سفينة الغضب 1968، ورحله العاصفة 1969, فدائيون 1970، مفكرة عاشق 1980، يوميات الصمود والحزن 1983، ثورة الحجارة 1991، طيور الجنة 1998) وغيرها، كتب أيضاً أربع مسرحيات شعرية، مُثِل منها على المسرح في القاهرة مسرحية "السؤال" من بطولة كرم مطاوع، وسهير المرشدي. وبعد حرب العبور 1973 كتب مسرحية "سقوط بارليف" وقٌدمت علي المسرح القومي بالقاهرة عام 1974، ومسرحية "عصافير الشوك"، إضافة إلي العديد من المسلسلات والسباعيات التي كتبها لإذاعة "صوت العرب" المصرية وعدد من الإذاعات العربية، وله دراسات عدة، من بينها: الشعر المقاتل في الأرض المحتلة، ومدينة وشاعر: حيفا والبحيري، والكلمة المقاتلة في فلسطين، وما الذي قالته هنادي الصادر عن وزارة الثقافة.ما يقارب 90 قصيدة من أشعاره، قدمها أعلام الغناء العربي، وفي مقدمة من شدوا بأشعاره فيروز بأغنيتها الشهيرة سنرجع يوماً إلى حيّنا، وفايدة كامل واغنيتها لن ينام الثأر، ومحمد فوزي، وكارم محمود، ومحمد قنديل، ومحمد عبده، وطلال مداح وأغنيته أنا يا أخي الإنسان مثلك كان لي وطن حبيب، وآخرون.لقّب الشاعر الفلسطيني الراحل هارون هاشم رشيد بشاعر النكبة، شاعر العودة، شاعر الثورة وهي تسمية أطلقها عليه الشهيد خليل الوزير عام 1967 بعد قصيدة "الأرض والدم" وأطلق عليه الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة لقب (شاعر القرار 194).وفي حوار سابق مع (الوطن) أجراه الزميل حسن المطروشي مع الشاعر الراحل عام 2004 أثناء تواجده في السلطنة لإقامة أمسية شعرية في نادي الصحافة أكد انه لا ينشر أو يقرأ قصائده الغزلية في الأمسيات قائلا نحن الآن في فلسطين نقاتل على ظهور الجياد حيث يسقط الشهداء وتثور الانتفاضة مطالبين بحقوقنا العادلة كبشر وعندما أرى وطني محررا من نير الاحتلال وأرى شعبي ينعم بالحرية فعندئذ سوف أقوم بنشر وقراءة قصائدي الغزلية، وإلى ذلك الحين فسوف تبقى قصائدي في أدراجها المقفلة، إن معشوقتي وقضيتي الآن هي فلسطين.قدم الشاعر الراحل في أمسية مسقط قصائد كتبها خصيصا للسلطنة تؤرخ لأحداث ومواقف تفاعل معها الشاعر منها قصيدة الموسوعة (بدوي أنا .. الى فتية عمان) والتي أكد الشاعر لـ"الوطن" أنه كتبها بمناسبة رحلة السفينة العمانية (صحار) التي أبحرت في الثمانينيات من القرن الماضي إلى ميناء كانتون بالصين عبر طريق الحرير تيمنًا بالرحلة التي قام بها قديمًا البحار العماني الشهير أحمد بن ماجد كما قرأ الشاعر إحدى قصائده في هذا المجال بعنوان (وطن الأباة عمان).