[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
في منتصف القرن التاسع عشر، عثر على المسلة السوداء في معبد ننورتا، وهي معروضة في المتحف البريطاني، وتتكون هذه المسلة من كتلة ارتفاعها ستة اقدام مصنوعة من المرمر الأسود تنتهي بعدة دكات تشبه الزقورة الصغيرة، دون حولها نص مسهب يقدم تعريفاً بحروب الملك، بينما تبين لنا خمسة ألواح منقوشة في كل جانب دفعات الجزية المقدمة من قبل البلدان الأجنبية المختلفة، بضمنها مملكة إسرائيل وتبين المنحوتات ان ملكها (جيهو) وهو يحبو عند قدمي الملك الآشوري.
وفي الجهة العليا من المسلة يشاهد الملك شلمنصر الثالث بنفسه، يتلقى الجزية من شوعه ملك (جلزام) وفي الثاني، يتلقى الجزية من يهو ملك إسرائيل في ارض عومري، ويرى الملكين ساجدين يقبلان الأرض عند اقدام شلمنصر، وهذا النص ورد في الحقل الثاني من المسلة، (الجزية من يهو التابع لبيت عومري فضة وذهب: كأس ذهبية، طوس ذهبية، كأس كبير من الذهب، اباريق ذهبية، كمية من الرصاص، عدد من الصولجانات، ادوات مصنوعة من خشب البلسام، كل ذلك تسلمت منه).
ولما كان ملك يهو ملكاً على إسرائيل بين سنة 841و813 ق.م فمعنى ذلك ان شلمنصر كان قد اخضع إسرائيل للجزية طيلة مدة حكمه.
وجاء الى الحكم تجلات بلاشر الثالث (746-727 ق.م) الذي وسع من مساحة الإمبراطورية الاشورية، ومن بين الحملات العسكرية التي قادها كانت حملته على مملكة ارام، اذ استولى على عاصمتها دمشق سنة 732 ق.م ثم توجه الى إسرائيل، واستولى على جميع اراضيها ما عدا السامرة، وضمها الى اشور وحمل سكانها اليهود الى المناطق الجبلية، وورد ذلك ايضاً في التوراة وسميت بيت عومري بملك إسرائيل (2مل 15: 29؛1 أخ 26:5) وقد عثر على مسلة اشورية، نقش عليها شرح كامل لحملة تجلات بلاشر الثالث على بلاد آرم وعلى إسرائيل.
ولكثرة ما تتردد كلمة مملكة إسرائيل في سرد الأحداث التي حصلت ابان الحكم الاشوري، يناقش العلامة الدكتور احمد سوسه هذه المسألة ويقول، ان التوراة هي المصدر الوحيد الذي يدعي بوجود مملكة تسمى إسرائيل، كما ان المعلومات عن مملكة يهوذا والعصر الذي كان قد سمي قبلاً بمعبد الملوك (شأول وداود سليمان) مستقاة من التوراة وحدها ايضاً، والتوراة كما معلوم من وَضعْ الكتبة اليهود في وقت متأخر، دونت في بابل وهي مشحونة بالاساطير والمبالغات، التي لا مجال لتصديقها ويعالج قصص التوراة بتفاصيلها كمال الصليبي في كتابه (خفايا التوراة واسرار شعب إسرائيل، دار الساقي 1998).
وتعمدنا الإشارة الى هذه المداخلة، لأن المرحلة التي نتحدث عنها مهمة في تاريخ يهود العراق خاصة، وتاريخ اليهود بصورة عامة، وهي الفترة التي سبقت مرحلة نبوخذ نصر، وحصلت قبل ان يبدأ حاخامات اليهود في بابل كتابة التوراة بعدة قرون، وهنا لابد من الإشارة الى ان احبار اليهود تعمدوا جعل تاريخ كتابة تلك الأحداث في بابل مجهولة، حتى لا يقارن الدارسون، بدقة بين الكثير من الأحداث، مع ما يحصل في ذلك الوقت من احداث ووقائع اخرى.
ويعود ذكر مملكة إسرائيل عند الحديث عن الحملة الآشورية الثالثة على السامرة، والتي حصلت في زمن سرجون الثاني، بعد ان حاصر المدينة القائد الآشوري شلمنصر الخامس (727-722 ق.م) والذي توفى بعد ان حاصر جيشه المدينة ثلاث سنوات، واتم خلفه سرجون الثاني احتلال السامرة والقضاء على مملكة إسرائيل نهائياً (2مل 9:18؛17: 6) واضاف سرجون الثاني الى يهود المناطق الجبلية في حملته تلك سبعة وعشرين ألفا ومئتين وتسعين شخصا من اليهود في السامرة.