[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]


تثمين جهود العمال وتحفيز الأيادي الشريفة العاملة من شأنه أن يرفع من شأن أي بلد، ففي الوقت الذي يكنى عامل النظافة في عالمنا (زبال) أو (بتاع الزبالة)، تجده يحتل المركز الأول من بين المهن، حين اشترطت السويد أن يكون حاصلا على شهادة جامعية في البيئة.
تتأفف من مظهرهم، تشمئز من اتساخ ملابسهم، تمتعض من رائحتهم أحيانا، تتحسس من مخالطتهم غالبا، هناك من يعاملهم عن كبر وازدراء، وهناك من يعاملهم بدونية واحتقار، هم من البشر الفئة المهمشة وهم الأدنى في السلم الاجتماعي. ورغم الغبن والتعالي، تراهم أنقياء الأرض وأطيبها، متعففين في بساطتهم، كادحين بعرقهم، متعايشين بشرفهم، راضين بحظهم في الحياة، إن لم يزلزلك غلبهم، ويهزك ذلهم للقمة العيش، ويحطم قلبك انكسارهم من قسوة الدنيا، إن لم يدغدغ مشاعرك عوزهم وفقرهم فنحن إذن نعيش العالم السيئ، في الزمن الرديء على الأرض البور.
ألم يلفت انتباهك عامل مسكين، يحرقه لهيب الحرارة، يتصبب عرقا، يجر قدميه تعبا وكمدا، يمشط الطرقات باحثا عن نفاية هنا أو اتساخ هناك، هدفه أن يبسط لك النظافة أينما تسير وتجوب؟ ألم يسترعِكَ عامل نظافة في دورات المياه، وهو يزيل عن أنفك كل ما يزكمها ويؤذيها؟ وآخر مُنْحنٍ طوال الوقت يرفع الأذى عن الطرقات، ويزيل القمامة عن الشوارع؟
رغم أن الجميع يعتصرهم الهلع ويؤرقهم الخوف، ويخضبون أيديهم بالمطهرات، ويكممون وجوههم بأغطية الوجه، ألم يفكروا وهم يتحسسون بالقفازات المعقمة أسطح ومقابض الأبواب ومقابس المصاعد ومفاتيح الكهرباء توجسا من التعرض للفيروس في حال هؤلاء المساكين؟ ألم نذكرهم حين ينقلون صناديق القمامة بما تحوي من أكياس ملوثة أو مخلفات مرضى الفيروس، يجمعون كمامات وقفازات مليئة بالعدوى، ومناديل ورقية مشبعة بالفيروس، يلامسون كل الأسطح وهم لا يعرفون وقد لا يتوجسون خيفة من العدوى؟
ألم نفكر فيهم وهم يعقمون الغرف التي يشغلها مرضى الفيروس في المستشفيات، وأماكن العزل ومناطق الحجر والأماكن الأكثر خطورة أنهم الفئة الأكثر تعرضا للإصابة بكل الفيروسات الوبائية أثناء تعاملهم مع المخلفات والقمامة، ولا يختلف معهم الخطر عما يتعرض له الأطقم الطبية، كلهم في الخطوط الأولى من المواجهة، رغم الفارق الاجتماعي والنظرة الطبقية، فليسوا مثلهم يحصلون على بدل عدوى أو تأمين صحي، إنما هم غالبا المهمشون في عالمنا المهمش؟
قد تحول النظرة السلبية والنمطية والدونية لعمال النظافة دون أن يتذكرهم البعض مجرد تذكير إنساني نابع من تحضر المجتمع ورقيه، نابع من إنسانية البشر وسموهم، لا يهان عمال النظافة إلا من مجتمعات مهانة، وشعوب لا تفرق بين صناديق القمامة وصناديق الانتخابات.. نعم احترام آدمية الإنسان وتكريم عمال النظافة نابع من احترام البيئة النظيفة والحياة الراقية، قد نحتاج بعض المهن لبعض الوقت، لكن نحتاجهم كل الوقت، فغيابهم فوضى وانسحابهم من المشهد مرض.
وحسنا أن اعترف بفضلهم البعض، وبجانب تمثال الحبيب بورقيبة وابن خلدون، شيدت بنزرت في تونس نصبا تذكاريا لعمال النظافة، ولأول مرة في العراق تقوم بلدية النجف بوضع تمثال لعامل نظافة يدعى أبو حيدر، وهو شخص أفنى عمره في تنظيف الشوارع والطرقات، وإن كان تكريما رمزيا سطحيا يخفي في الواقع أوضاعهم المتردية من قوت شحيح وإقامة مزرية وحياة بلا ضمانات، وأحيانا بلا احترام.
تثمين جهود العمال وتحفيز الأيادي الشريفة العاملة من شأنه أن يرفع من شأن أي بلد، ففي الوقت الذي يكنى عامل النظافة في عالمنا (زبال) أو (بتاع الزبالة)، تجده يحتل المركز الأول من بين المهن، حين اشترطت السويد أن يكون حاصلا على شهادة جامعية في البيئة.
ولفرض خصوصية على المهنة، اشترط القانون البريطاني أن يكون المتقدم لهذه المهنة بريطانيا لا يحمل جنسية أخرى، كما يطلق عليه في اليابان مهندس الصحة العامة، ويتقاضى راتبا كبيرا، لذا وللمميزات الاجتماعية الممنوحة لعمال النظافة في الولايات المتحدة الأميركية، يعد الحصول على تلك الوظيفة من أصعب الأمور، والتي قد تتطلب انتظارا طويلا.
لكن هم في عالمنا لا يرغبون في تماثيل أو نصب تذكارية، أو حتى نتذكرهم حينما يردوا للبعض مقتنياتهم الثمينة الملقاة في قمامتهم، أو حينما يلتقط معهم المسؤولون الصور الصحفية، كي يثبتوا للعامة أنهم متواضعون، هم يعلمون أنهم الفئة المغلوبة في المجتمع وحقوقهم مهدرة، فقط يأملون في تأمين حياة كريمة، إن لم يتوفر فتحسين صورتهم في القيمة الاجتماعية والمحفزات، وإن صعب ذلك فبعض من الاحترام لعملهم، والتقدير لجهدهم والعرفان لخدماتهم، إن لم يتيسر هذا أيضا يبقَ أن نشكرهم ونقدرهم، كونهم شركاء لنا في الصحة العامة، أتوا إلينا صاغرين كي يهيئوا لنا الحياة النظيفة، لهم منا كل تقدير وتعظيم سلام مع باقة ورد ووسام احترام، لكل فرد من عمال النظافة في كل مكان على وجه الأرض.

فوزي رمضان
كاتب صحفي مصري
[email protected]