[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]

الجديد هذه المرة هو تصدي دار الإفتاء المصرية لهذا المنطق المغلوط فأصدرت بيانا قالت فيه: إن إلصاق جريمة التحرش النكراء بقصر التهمة على نوع الملابس وصفتها؛ تبرير واهم لا يصدر إلا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة؛ فالمسلم مأمور بغض البصر عن المحرمات في كل الأحوال والظروف..

وسط انشغال المصريين بوباء “كورونا” الذي أصاب خمسة وسبعين ألفا وقبض أرواح أكثر من ثلاثة آلاف من المصريين، تفجرت قضية تحرش الأسبوع الفائت سرقت الأضواء من “كورونا”، وبدأت الحكاية على مواقع التواصل الاجتماعي بداية يوليو الجاري؛ بـإنشاء مجموعة من الفتيات حسابا على موقع تبادل الصور والفيديوهات “إنستجرام” تحت مسمى “بوليس التحرش الإلكتروني” ادعين تعرضهن للتحرش من قبل طالب بالجامعة الأميركية بالقاهرة دأب على مضايقة الفتيات وابتزازهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم دعوة كافة الفتيات اللاتي تضررن من تصرفات هذا الشاب للانضمام للمجموعة وتقديم بلاغات ضده لمباحث الإنترنت، وصل عدد متابعي الحساب خمسين ألف فتاة في يوم واحد، وقامت 100 فتاة بسرد قصص تزعم تعدي هذا الطالب عليهن وتحرشه بهن جسديا ولفظيا.
وانتشرت الحكايات كالنار في الهشيم وتحرك المجلس القومي للمرأة وأصدر بيانا يطالب فيه الجهات المعنية التحقيق في الأخبار المتداولة واتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك، ودعا الفتيات اللاتي تعرضن لهذه الجرائم لتقديم بلاغات للادعاء العام.
سارعت الجامعة الأميركية بالقاهرة لتأكيد مغادرة المتحرش المحتمل للجامعة في العام 2018م، مؤكدة أنها لا تتساهل مع هذا النوع من الممارسات غير الأخلاقية، وأن لديها إجراءات رادعة لمكافحة التحرش والتنمر والتزامها بالمحافظة على بيئات التعلم والعمل خالية من كافة أشكال المضايقة أو التمييز.
واستجابت النيابة العامة للنداءات وأصدر مكتب النائب العام بيانا بشأن الواقعة أكد فيه قيام وحدة الرصد والتحليل الإلكتروني بفحص كافة البيانات المنشورة للتأكد من صحتها واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها.
تم القبض على المتحرش ومثوله أمام النيابة المختصة للتحقيق معه فيما هو منسوب إليه من اتهامات، ولكن المفارقة كانت في عدم تقدم الفتيات ببلاغات ضده حتى الآن، باستثناء بلاغ وحيد ورد للنيابة عن طريق “الواتس آب”.
وهذه ليست واقعة التحرش الأولى في مصر، وكانت هناك أصوات تخرج عقب كل حادثة تحرش أو اعتداء، تحمل الفتاة الضحية المسؤولية بسبب نوعية الملابس التي ترتديها أو وجودها في الشارع لساعة متأخرة من الليل، وتلتمس الأعذار للمتحرش وتعتبره ضحية تأخر سن الزواج وصعوبة إحصان نفسه وكبت شهوته.
الجديد هذه المرة هو تصدي دار الإفتاء المصرية لهذا المنطق المغلوط فأصدرت بيانا قالت فيه: إن إلصاق جريمة التحرش النكراء بقصر التهمة على نوع الملابس وصفتها؛ تبرير واهم لا يصدر إلا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة؛ فالمسلم مأمور بغض البصر عن المحرمات في كل الأحوال والظروف، وأن المتحرش الذي أطلق سهام شهوته مبررا لفعله جامع بين منكرين: استراق النظر وخرق الخصوصية به، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والجلوس على الطرقات” فقالوا ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال صلى الله عليه وسلم: “فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها”، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: “غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر”.
وجاء عنوان جريدة صوت الأزهر الناطقة بلسان مشيخة الأزهر بعنوان “طمنوا بناتكم” مطالبة الأهالي بدعم بناتهم والتعاطف معهن وتشجيعهن على البوح والشكوى بدلا من زجرهن ولومهن على ذنب لم يرتكبنه أو اعتبارهن شريكات في الإثم، مشددا أن ملابس المرأة ـ أيا كانت ـ ليست مبررا للاعتداء على خصوصيتها وحريتها وكرامتها، وأن التحرش إشارة أو لفظا أو فعلا جريمة قانونية وإثم شرعي وانحراف سلوكي، وأن تجريم الفعل والفاعل يجب أن يكون مجردا من أي شرط أو سياق.
تضمن غلاف العدد اقتراحات للحد من آفة التحرش بتفعيل القانون والتجريم والعقاب الرادع، وحماية الضحايا من التشهير والابتزاز، وتوعية الفتيات بحقوقهن وواجباتهن، وكيف يتصرفن عند تعرضهن لأي مخاطر وتوفير الدعم القانوني لهن، وتعزيز الثقافة الدينية الصحيحة، وتنمية الوازع الأخلاقي عند النشء, وتشجيع الحوار داخل الأسرة، وقف التناول الإعلامي والدرامي الذي يظهر المتحرشين كشخصيات محببة مما يغري بعض الشباب على تقليدهم.

محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري