تناولنا في الحلقات السابقة عبر هذه الزاوية القانونية ونحن نبحر في قانون الأحوال الشخصية موضوع الطلاق وآثاره، وسنذكر في هذه الحلقة والحلقات القادمة ـ بمشيئة الله وتوفيقه ـ الأهلية والولاية، التي تناولها الكتاب الثالث من قانون الأحوال الشخصية. وأهلية الإنسان صلاحيته لصدور ذلك الشيء وطلبه منه، وهي في لسان المشرع عبارة عن:صلاحيته لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، وصلاحيته لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعًا.والأهلية هي الأمانة التي أخبر الله عز وجل بحمل الإنسان إياها بعد أن تخلى عنها وعجز عن حملها السماوات والأرض والجبال، يقول الله عز وجل:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ? إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).وتنقسم الأهلية إلى نوعين: أهلية الوجوب، وأهلية الأداء، فأهلية الوجوب: صلاحية الإنسان لأن تثبت له حقوق وتجب عليه واجبات، وتثبت أهلية الوجوب بعد وجود ذمة صالحة للوجوب له أو عليه، والمقصود بالذِّمَّة: العهد، يقول الله عز وجل:(لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّة)، وهذه الأهلية ثابتة لكل إنسان ذكرًا كان أو أنثى، سواء كان طفلًا أو بالغًا، عاقلًا أو مجنونًا، وذلك لأنَّها مبنية على خاصة فطرية في الإنسان وهي التي أطلق عليها الفقهاء الذمة، ويطلق رجال القانون على أهلية الوجوب (الشخصيَّة القانونيَّة) وهي ثابتة لكل إنسان ويعرفونها بأنَّها: صلاحيته لأن تكون له حقوق وعليه واجبات. وتنقسم أهلية الوجوب إلى قسمين: أهلية الوجوب الكاملة، وأهلية الوجوب الناقصة.أولًا: أهلية الوجوب الكاملة، وهي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، وتثبت هذه الأهلية للإنسان منذ ولادته حيًّا، فيرث ويورث، وتكون له الأهلية كاملة في الأموال، ويثبت له حقوق النسب والوصية والهبة، إلا أنه ينوب عن القاصر وليه أو وصية أو القيِّم عليه. كما أنه لا تجب عليه التكليفات العقائدية والعبادات والعقوبات إلا بالبلوغ والعقل، والفيصل في هذا أنَّ كل ما يمكن أداؤه عنه فهو واجب عليه، فيجب عليه من حقوق العباد ضمان ما أتلف وثمن ما اشتراه عن طريق وليه أو وصيه، كما أنه يجب في ماله الزكاة وصدقة الفطر حسب حالته.ثانيًا: أهلية الوجوب الناقصة، وهي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له فقط، ولا يجب عليه شيء من الواجبات، وأهليَّة الوجوب الناقصة تثبت للجنين في بطن أمِّه بشرط أن يولد حيًّا، فتثبت له بعض الحقوق كالإرث والنسب والوصيَّة..وللحديث بقية..د. محمد بن عبدالله الهاشمي قاضي المحكمة العليا[email protected]