علي بن سالم الرواحي:تُعرَّف المعجزة بعدة أمور وهي: أولاً:بالسمع المتواتر ـ كما عرّف القرآن ـ وانقلاب العصا إلى حية وابيضاض يد موسى حينما يدخلها في جيبه، وإحياء عيسى (عليه السلام) الموتى بإذن الله فقد تواترت حتى اشتهرت بيننا، وثانياً: بالعقل، فالله أوجد المعجزات للرسل والأنبياء فقط، ومحمد صاحب معجزات كثيرة، والنتيجة أن محمداً رسولاً نبياً صادقاً، وثالثاً: بالوضع كما تدل الألفاظ على ما وُضِع لها من معانٍ، كأن يوضع الله بإزاء المعجزة معنى:(صدق عبدي فيما يبلغكم به عني فصدقوه وأطيعوه)، فلا تدع للمريب أدنى شك ولا للطاعن أدنى طعن ولا للغالّ أدنى غلِّ، أما القرآن فهو كلام الله سبحانه وتعالى فيه الأوامر والنواهي من عقيدة وسن وقوانين وقصص وأخلاق وهو منطوق مسموع مرئي، رابعاً: عادية أي: من عادتها أن تشهد بصدق نبوة النبي وهي تحدث انفعالاً نفسانياً اعتيادياً لدى المؤمن يقوده إلى الإيمان بها في العادة،أما المعجزة فهي من فعل الله خارقة للعادة ولا يستطيع أحد غيره على قلب وتغيير الأشياء من حقيقة إلى أخرى، لكن دلالة المعجزة قد تكون عادية وهي التصديق بالنبوة، وهاك الدليل العقلي:المعجزة دالة على الصدق، ومحمد أتى بالمعجزة، والنتيجة: محمد صادق في نبوته.إنّ القرآن الكريم مشحون بآيات عظام وكل آية منها معجزة بمفردها من الناحية العلمية والخبرية بما تحمله من حجج دامغة تقطع دروب الشاكين والمترددين والنافين والمتذبذبين وتثبت نبوة محمد، فانبرى من الناس موقفان:(المكذبون لآياته) و(المصدقون لآياته).لقد وصف الله النبي بالصدق ووصف من صدّقه بالصدق كذلك وأشهرهم أبوبكر الصديق، فالصدق ينبوع الخير دائماً والسعادة المثلى جزالة، ومجرى الدين كله ومنجاة لصاحبة في الدنيا والأخرى، فهذه الآيات على طاعة الرسول وتعتبرها من طاعة سبحانه وتعالىوإذا كان وحي الله قائماً بالصدق والمعجزة جالبة للتصديق فإن الله لا يؤيداً كاذباً على كذبه ولو ادعى الكاذب أنه رسول الله.واختلفوا فيما يخلفه العلم بالنبوة من تصديق بالنبي على أقوال: 1 ـ ممكن حصوله ولو كان ضرورياً لآمن كل الناس، 2 ـ ضروري حصوله حيث فور وقوع المعجزة يخلق الله العلم بها في قلوب من طالعها، قلت: لو كان الأمر كذلك لكثر أتباع النبي للعلم بها ووجاهة دلالتها، لكن نرى عدد الكافرين أكثر من المؤمنين في كل زمن.كان أكثر الناس لا يصدقون الرسل والأنبياء لأن الدين:يخالف هواهم ويهدم مصالحهم، ولأنه غيب خارج عن مداركهم العقلية والجسمانية، وإنه لا يجلب له المال بل تجارة خاسرة، ولا يرضون بالمساواة بين البشر فلا يساوي الضعيف القوي ولا الفقير الغني ولا العبد سيده ولا الذليل حاكمه، وينكرون البعث رغم وضوحه في عمليات الأرض، ويزعمون اتخاذ الله بنات من دون بنين, ومع إنهم يعترفون بربوبية الله وحده إلا أنهم يعبدون غيرهم كواكب ونار وأصنام وأوثان وإنسان يستشفعون لهم ويقربونهم إلى الله سبحانه وتعالى.وكانت الأقوام السابقة يسألون رسلهم بالمعجزات الربانية الخارقة للعادة والعرف يعجزونهم بها حتى تبطل دعوتهم الربانية, وكان الله سبحانه وتعالى يهدد بعذاب من نزلت إليه المعجزة ولم يصدق بها فحصل ما حصل لهم من فناء أبدي حتى قيام الساعة.