أخي المسلم :.. وقد أرسل الله محمداً (صلى الله عليه وسلم) بالحنيفية السمحة والشريعة الجامعة التي تكفل للناس الحياة الكريمة وتصل بهم إلى أعلى درجات الرقى والكمال وقضى الرسول الكريم نحو ثلاثة وعشرين عاماً في دعوة الناس إلى الله، وكانت رسالة الإسلام رسالة عامة للناس كافة فلم يختص بها جيل من الناس دون جيل ولا عصر دون عصر ولا قطر دون قطر ولا أمة دون أمة، والله سبحانه وتعالى يقول:(تَبَارَكَ الَذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً)، ويقول ـ جل جلاله ـ مخاطباً نبيه:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)، ويقول تعالى على لسان نبيه:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعاً)، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول:(كان كل نبى يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود).ورسالة الإسلام ترمي إلى تزكية الأنفس وتطهيرها عن طريق المعرفة بالله وعبادته وتدعيم روابط الإنسانية وإقامتها على أساس من الحب والرحمة والمساواة والعدل، والتشريع الديني الخالص كأحكام وعبادات لم يكن يصدر إلا عن وحي الله لنبيه (عليه الصلاة والسلام)(وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)، وكانت مهمة الرسول هى التبليغ والتبيين، أما التشريع الذي يتصل بالأمور الدنيوية فقد أمر الله رسوله بالمشاورة فيه فكان (عليه الصلاة والسلام) يرى الرأى فيرجع عنه لرأى أصحابه كما حدث في غزوة بدر حين اختار الرسول مكاناً ليعسكر المسلمون فيه فسأله الصحابي الجليل سلمان الفارسي: أهذا المكان أمرك الله به أم هي الحرب والخديعة؟ فقال(عليه الصلاة والسلام):(بل هى الحرب والخديعة)، فقال سلمان: فإنى أرى أن هذا المكان لا يصلح لعسكرة جيشنا والأفضل أن نعسكر بالقرب من بئر بدر فنمنع الماء عن المشركين بينما نشرب نحن فنزل الرسول على رأى سلمان.وهناك قواعد وضعها الإسلام ليسير المسلمون على ضوئها منها: النهى عن البحث فيما لم يقع من الحوادث حتى يقع، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وإن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ)، ومنها أيضاً تجنب كثرة السؤال قال (صلى الله عليه وسلم):(إن الله كره لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال)، وقال أيضاً:(إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها، حرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها)، ومنها كذلك البعد عن الاختلاف والتفرقة في الدين، قال تعالى:(وأن هذه أمتكم أمة واحدة)، وقال أيضاً:(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وقال ـ جلَّ جلاله:(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، ومنها رد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة: قال تعالى:(وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله)، وقال أيضاً: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول)، وقال:(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) ولا معنى لاختلاف المسلمين أو التنازع بينهم في أمور دينهم ودنياهم لأن الله تعالى يقول:(ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ)، ويقول:(ما فرطنا في الكتاب من شئ)، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول:(تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً، كتاب الله وسنتي)... ولحديثنا بقية.