محمود عدلي الشريف** استدراك وتكملة:في المقال السابق دار بنا الحديث حول اللون الأخضر في القرآن الكريم، وسقط سهواً تكملته التي جاء في كتاب الله تعالى، وكانت تلك التكملة كالتالي: حيث جاء اللون الأخضر في القرآن الكريم حوالى ثماني مرات تضمن المقال السابق منها ست مرات، وهي:(الأخضر)، وجاء مرة واحدة ـ خضر بأنواعها الأربع ـ مخضرة وجاء مرة واحدة، وبهذا يكون عددها ست مرات، وهو ما تضمنه المقال السابق، ويبقى منها مرتين وهما: الأولى:(خضراً) صفة مشبهة من فعل (خضر: يخضر) باب (فرح) وزنه (فعل) بفتح فكسر، وقد يستعمل اللفظ اسماً بمعنى الزرع أو البقلة الخضراء، وحول المعنى جاء في (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة للنابلسي 1/ 57)، بترقيم الشاملة آلياً .. بتصرف في النص: ليس منا أَحَدٌ إلا ورأى الأرضَ في فصلِ الربيعِ، وقد ازْدانَتْ، حيث الأشجارُ مزهرةٌ مثمرةٌ، وبعضُها قد أوْرق، والأرض بِساطٌ أخضرُ، فهل تفكَّرنا في هذه المساحاتُ الخضراءُ في الأرضِ تبعثُ في النفسِ البهجة ؟ فإن اللَونَ الذي يبعثُ السرورَ داخلَ النفسِ البشريةِ، ويثيرُ بواعثَ البهجةِ فيها فهو اللونُ الأخضرُ، لذلك جَعَلَ اللهُ النباتَ أخضرَ اللونِ، إذ لولا الأوراقُ الخضراءُ في النباتِ لَمَا كان الشّجرُ، فإنَّ أعظمَ معملٍ صَنَعَه الإنسانُ لا يرقَى إلى ما يجرِي داخلَ الورقةِ الخضراءِ، فماذا في الورقة؟ والجواب: إنّ في الورقةِ مادةً اسمُها (اليخضورُ)، إذا تعرّضَتْ هذه المادةُ لأشِعَّةِ الشمسِ تَحَوَّلَتْ جزيئاتُ اليخضورِ إلى مُفاعلٍ حراريٍّ جبَّارٍ، تقولُ بعض الإحصائياتِ العلميةِ: إنَّ المجموعَ الخضرِي في الأرضِ يُحَوِّلُ مئةَ بليونِ طُنٍّ من الفحمِ مع خمسةٍ وعشرينَ بليونَ طُنٍّ من الهيدروجين إلى موادّ غذائيةٍ، وإلى مئةِ بليونِ طنٍّ من الأكسجينِ، من أجلِ أنْ يبقى الهواءُ ذا نِسَبٍ نظاميةٍ من حيث الأكسجينُ، والآزوتُ، وغازُ الفحم، أنّ الطَّاقةَ التي تنتِجُها عملياتُ التحليلِ اليخضوريِّ تساوي عشرةَ أضعافِ الطاقةِ التي يستهلِكُها الإنسانُ في العالَمِ كلِّه كلَّ عامٍ، وكلمةُ (الأخضر) تفيدُ اليخضورَ، لأنّ هذه الورقةَ في كلِّ شجرةٍ معملٌ عظيمٌ، يؤدِّي عملاً جباراً لا يستطيعُ الإنسانُ تصوُّرَهُ، والجدير بالذكر أن ثيابُ الجرّاحينَ اختيرتْ من اللونِ الأخضرِ؛ لأنّ المريضَ ـ وهو على وشكِ أنْ تُجرَى له العمليةُ ـ يشعر بالبهجة وهو يرى الثوب الأخضر ..)، والثانية:(خضراً) (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) (الكهف ـ ٣١) الواو عاطفة، يلبسون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، ثياباً: مفعول به منصوب بالفتحة، (خضراً): صفة أو نعت، لثياباً منصوبة مثلها، كما في (الإعراب المفصل لكتاب الله المرتل 6/ 380)، والمعنى:(وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) لأن الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة، مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ نمارق من الديباج وما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين (تفسير البيضاوي) المسمى (أنوار التنزيل وأسرار التأويل 3/ 280)، نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً ممن يلبسون السندس الأخضر في جنات النعيم..وهنا نواصل بقية الالوان ومع اللون الأزرق، فمن الألوان التي ذكرت في كتاب الله تعالى اللون (الأزرق)، وهذا اللون جاء في القرآن الكريم في المرتبة الخامسة ذكراً، من حيث ترتيب الآيات التي تناولت ذكر الألوان بترتيب السور الكريمة من أول البقرة وحتى الناس، ومما يميز اللون الأزرق أن جاء ذكره مرة واحدة فقط جمعاً منكراً في سورة (طه) الآية (121)، ليس له من لفظه كغيره من الألوان مشتقات كالمفرد علم ولا الفعل، (زرقاً) جمع زرقاء مؤنث أزرق، وهي صفة مشبّهة، وزنه فعل بضمّ فسكون، وإعراب (زرقاً) هنا حال من المجرمين منصوبة، (الجدول في إعراب القرآن 16/ 421)، وجاء في (التفسير البسيط 14/ 516)، (زُرْقًا) يقال: زَرِقَت عينه، تَزْرَقُ، زَرَقًا، وزُرْقَةً، وازْرَاقَّت، ازرِقَاقًا، قال ابن عباس: يريد بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلهًا، قال: يريد: زرق العيون سود الوجوه، وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين: أن معنى الزرق هاهنا أنما في عيونهم زرقًاً، وهي الخضرة في سواد العين ، كعين السَّنَّوْرُـ السَّنَّوْرُ: الهر، مشتق منه، وجمعه السَّنَانيِر، انظر:(لسان العرب) (س ن ر) 4/ 2117) والعرب تتشاءم بالزرت وتذمه، قال الزمخشري في (تفسيره، 2/ 553): إن الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون، ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد، أصهب السيال، أزرك العين، والمعنى في هذا: تشويه الخلق بسواد الوجوه وزرقة العيون، وقال الكلبي: (زرقاً أي: عُمياً)، وقال الزجاج: يخرجون من قبورهم بصراء ويعمون في المحشرـ والعياذ بالله ـ قال: وإنما قيل للعمى: زرق، لأن السواد يزرق إذا ذهب نواظرهم ، وسئل ابن عباس عن وصفهم هنا بقوله:(زُرْقًا)، وفي آية أخرى بقوله:(عُمْيًا) فكيف يجمع بينهما؟ فقال: ليوم القيامة حالات، فحالة يكونون فيها عُمياً وأخرى يكونون فيها زرق العيون، وقال الفراءُ: المراد من (زُرْقًاً) عُمياً لأن العين إِذا ذهب نورها ازْرَقَّ ناظرها، انظر (التفسير الوسيط - مجمع البحوث (6/ 1064)، وقيل: معناه: عطاشاً، لأن العطش الشديد يغيّر سواد العين فيجعله كالأزرق، انظر (التفسير الوسيط للطنطاوي 9/ 150)، لأن سواد العين يتغير بالعطش إلى الزرقة، وقيل: إنه كناية عن الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة، وقيل هو كناية عن شخوص البصر من شدة الحرص، انظر (فتح البيان في مقاصد القرآن 8/ 275)، والجدير بالذكر أن هذا اللون له علاقة كبيرة بما حولنا، حتى الجسم (ومعلوم أن زُرْقة الجسم لا تأتي إلا نتيجة ضربات شديدة وكدَمات تُحدِث تفاعلات ضارة تحت الجلد، فتُسبِّب زُرْقته، وكذلك زُرْقة العين، ومن أمراض العيون المياه الزرقاء، وهي أخطر من البيضاء، ويُستخدم اللون الأزرق للتبشيع والتخويف، وقد كانوا في العصور الوسطى يَطْلُون وجوه الجنود باللون الأزرق لإخافة الأعداء وإرهابهم، وتعارف الناس أنه لَوْن الشيطان، لذلك نقول في لغتنا العامية (العفاريت الزرق) ونقول في الذم (فلان نابه أزرق) ويقول الشاعر:(أَيَقْتلُنِي والمْشرَفيُّ مُضاجِعي .. ومَسْنُونَة زُرْقٌ كأنْيابِ أغْوالِ) (تفسير الشعراوي 18/ 10933)، ويشع اللون الأزرق من حولنا، وخاصة السماء فإن العين تراها زرقاء، وهنا سؤال يطل برأسه ويلزمنا أن نستمع إليه، ألا وهو : هل السماء زرقاء فعلاً؟، ج ـ (قَالَ الْمَاوَرْدِيّ زعم المتقدمون أَن أصل لون السَّمَاء (الْحمرَة) وَأَنَّهَا لِكَثْرَة الحوائل والحواجز وَبعد الْمسَافَة وَاعْتِرَاض الْهَوَاء بَيْننَا وَبَينهَا ترى بِهَذَا اللَّوْن الازرق ، كَمَا يرى الدَّم فِي الْعُرُوق أَزْرَق ، وَلَا هَوَاء هُنَاكَ يمْنَع من اللَّوْن الاصلي ذكره الْكَرْخِي والعمادي والكازروني، انظر:(توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم 1/ 95) وإن كان هذا صحيحاً، فإنَّ السماء لقربها من النَّواظر يوم القيامة، وارتفاع الحواجز ترى حمراء لأنها أصل لونها والله أعلم، (اللباب في علوم الكتاب 18/ 336)، وجاء في (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة 2/ 18) في القرآنِ الكريمِ آيةٌ مِنْ سورةِ الرحمنِ، وهي قوله تعالى:(فَإِذَا انشقت السماء فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان) (الرحمن ـ 37)، لو تتبَّعْتَ تفسيرَها في معظمِ كُتبِ التفاسيرِ، مَا وجدتَ فيها ما يَشفِي غليلَك، ذلك لأنّ في القرآنِ آياتٍ لمَّا تُفَسَّرْ، هذا لونٌ مِن ألوانِ الإعجاز، فالقرآنُ معجزةٌ مستمرةٌ، قد ورد في تفسير ابن كثير:(فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان)، أي: تذوب كما يذوب الدُّرْدِيّ والفضَّة في السبك، وتتلوَّن كما تتلوَّن الأصباغُ التي يُدهَن بها، فتارةً حمراء، وصفراء، وزرقاء، وخضراء، وفي قولٍ آخر:(وَرْدَةً كالدهان) قال: هو الأديم الأحمر، وقال سعيد بن جبير وقتادة المعنى فكانت حمراء، وقيل: تصير في حُمْرَة الورد وجريان الدهن، وقيل: الدِّهانُ الجِلدُ الأحمر الصرف، أي: تصير السماء حمراء كالأديم لشدة حَرِّ النار، من أجلِ أنْ نعلَمَ أنّ هذا القرآنَ كلامُ اللهِ، وأنه معجزةٌ مستمرةٌ إلى نهايةِ الكونِ، فلا أحدَ يخْطُر في بالِه أنّ نجماً ينفجر في السماءِ على شكلِ وردةٍ، تماماً كالوردةِ الجوريةِ، بأوراقِها الحمراءِ، وكأسِها في الوسطِ، وأوراقِها الخضراءِ...والأمر له تفاصيل كثيرة .. فسبحان الذي خلق الجمال وخلق له صوراً وألواناً.*[email protected]