[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2019/04/ehab.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]إيهاب حمدي [/author]تمكث شعوب العالم بين جدران منازلهم، وهواجس الخوف من انتقال فيروس "كورونا المستجد" تحيط بهم، فما بين الرعب والهم والحزن تتلخص مشاعرهم، الغالبية انقطعوا عن أعمالهم إجباريا إنفاذا للسياسات المحلية في الدول المختلفة، وقليلون قادرون على العمل عن بعد، لتترك سياسة "البقاء في المنزل" فراغا يحتاج إشغاله، والأعمال الأدبية متنوعة، ومنافعها غزيرة، والوصول إليها غير مكلف، وما علينا سوى عقد النية واستثمار الوقت.عميد الأدب طه حسين كتب رواية "الأيام" سيرة ذاتية عن حياته، اختلط فيها الأدب والإبداع بالواقع، ورصد عبر سطورها المعاناة من مرض الكوليرا المتفشي وقتئذ، وحالة الهلع التي كانت سائدة في المجتمع، وإشكالية التغلب على انتشاره بالابتعاد عن المجتمع وظواهره التي تسمح بانتشار الوباء.طه حسين كان واقعيا في سرد روايته لأن الوباء ضرب أسرته فعانت منه، وكيف جال المجتمع من الانتشار إلى الانعزال، ومن الاعتماد على المنتج الخارجي للوقاية منه إلى المحاصيل المحلية المزروعة في قريته (كالثوم) لقدرتها في رفع مناعة الجسم البشري؛ بل وكانت كلماته في الرواية بمثابة دروب لواقعنا، فمنها نقتبس نصا يواكب عزلتنا وكيفية التفاعل معها (للناس مذاهبهم المختلفة في التخفف من الهموم والتخلص من الأحزان، فمنهم من يتسلى عنها بالقراءة، ومنهم من يتسلى عنها بالرياضة، ومنهم من يتسلى عنها بالاستماع للموسيقى والغناء، ومنهم من يذهب غير هذه المذاهب كلها لينسى نفسه ويفر من حياته الحاضرة وما تثقله به من الأعباء).الغريب في رواية "الأيام" أن عميد الأدب العربي سرد لنا عددا من المظاهر التي نعيشها الآن، بخلاف العزلة؛ وكأن نحو 120 عاما من الزمن لم تستطع أن تغير من أوضاع العالم، رغم التقدم والتطور والابتكارات اليومية، ورقي الخدمات الطبية والعلاجية، فلا تخلو متابعاتنا اليومية من أنباء تصدي الأطقم الطبية للكورونا وصعوبة وقوفهم على خط المواجهة الأول لمقاومة الوباء، وظهر ذلك في عباراته كثيرة مثل (وكان الأطباء ورسل مصلحة الصحة قد انبثوا في الأرض ومعهم أدواتهم وخيامهم يحجزون فيها المرضى...)، إضافة إلى تصوير الآلام لوفاة أخيه طالب الطب والذي كان أمل الأسرة، وعن تعطل المدارس والجامعات وإغلاق كافة المنشآت التعليمية كإجراء احترازي قال طه حسين (وكان وباء الكوليرا قد هبط إلى مصر ففتك بأهلها فتكا ذريعا، دمّر مدنا وقرى، ومحا أسرا كاملة… وكانت المدارس والكتاتيب قد أقفلت...)، ورصد حالة الرعب التي نعيشها اليوم بقوله (وكان الهلع قد ملأ النفوس واستأثر بالقلوب، وكانت الحياة قد هانت على الناس، وكانت كل أسرة تتحدث بما أصاب الأسر الأخرى وتنتظر حظها من المصيبة…).إن الأدب هو انعكاس للصورة الواقعية لحياة الأمم والشعوب بطريقة أدبية تجتذب القلوب، وتأنس لها العقول، وفي نفس الوقت هو التاريخ غير المنحاز المكتوب بحبات الفكر ولآلئ الإبداع، والكثير من الأدباء كتبوا عن الأوبئة والأمراض التي انتشرت في عصورهم، ورصدوا حالة المجتمع في مواجهتها، وتأثيراتها على الناس والدول والشعوب، وما إطلالتنا على الوباء في رواية "الأيام" لطه حسين سوى لفت الانتباه لاستغلال حالة العزلة في قراءة الأعمال الأدبية المميزة لاستخراج منها عِبر الماضي ووقائع الحاضر واسترشادات المستقبل لنحيا جميعا في سلام، وللحديث بقية مع رواية أخرى.