إنّ الحديث الصحيح إذا لبّى الشروط الخمسة في الصحة كان ثابتاً عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا يشترط فيه عدد محدد للرواة في كل طبقة من طبقاتهم, بل يشمل:1) الأحادي وهو خبر الواحد, والمثال عليه حديث ابن عباس السابق الذي أخرجه الربيع, وهو(الأعمال بالنيات)، ومعظم الأحاديث الشرعية العملية جاءت من هذا الباب.2) والمتواتر ما روته جماعة عن جماعة بحيث يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، ويكون المتواتر على نوعين:أ) المتواتر اللفظي، حيث يروى الحديث أو تروى الروايات في القضية الواحدة بلفظ واحد، والمثال عليه حديثه (صلى الله عليه وسلم):(مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)، فقد نقل ذلك عن عبدالله بن الحارث وعن ابن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك والزبير بن العوام وسلمة والمغيرة ابن شعبة وعبدالله بن عمرو وأبي ذر وأبي سعيد الخدري وعبدالله بن مسعود وجابر ابن عبدالله وأبي قتادة وعن غيرهم.ب) المتواتر المعنوي، حيث تكون الروايات حول القضية الواحدة بمعنى واحد لألفاظها المتعددة، والمثال على المتواتر المعنوي الروايات المتعددة التي نقلت صفة صلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) كالتي أخبرتنا عن فرائض الصلاة وشروطها وسننها، وكذا في ما جاءت عن مناسك الحج, وكذا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرة وشمائله الزكية, وصفاته الخلْقية.* حجية الحديث الصحيحيأتي الحديث الصحيح في المرتبة الثانية بعد القرآن كمصدر للعقيدة والشريعة، والصحيح الأحادي يفيد بموجبه العمل، أما المتواتر فيفيد بموجبه العلم والعمل أي: أنه يجوز أن يحتج به في قضايا العقيدة، وذلك لأن قضاياها تتحقق باليقين، واليقين لا يتحقق إلا بالتواتر، وهذا اليقين هو العلم الضروري الذي يضطر الفرد إلى تصديقه ولا مجال له إلى تكذيبه أو تخطئته، فإذا احتمل الحديثُ التكذيبَ لم يجز القطع به، والعلم أكثر تأكيداً من العمل حيث أن العمل ركيزته وثمرته، لذلك ناسب الحديثُ المتواترُ إثبات العلم والعقيدة، وناسب الحديثُ الصحيحُ مطلقاً إثبات العمل، وهناك نكتة أخرى وهي أن أحاديث الأحاد كثيراً ما تتعارض فيما بينها، والاعتقاد إنما يأتي عن صدق لا تناقض فيه، وبالتالي لا تصلح تلك الأحاديث الأحادية في الاعتقاد وإلا لتناقض أهل التوحيد فما بينهم في أصول دينهم، أما صلاحها للعمل فلا يؤدي ذلك إلى التناقض لأن الشريعة الإسلامية وما احتوت عليه من اجتهاد, هي واسعة رحمة من رب العباد، وكثيراً ما يكون الاختلاف بين أحاديث الآحاد اختلاف تنوع لا تضاد، بينما يكون الاختلاف في أمور العقيدة تضاد لأن لا يجوز عقلاً أن تجتمع حقيقة ونقيضها للشيء الواحد، ولا يجوز أن يقال بتناقض نصوص الأحاديث لأن مصدرها واحد الذي لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي يوحى من الله سبحانه وتعالى، والمحيط بكل شيء علماً، وإنما يرجع الاختلاف في الأحاديث إن هذا سمع كذا، والآخر سمع كذا, وهذا يثبت عنده كذا، والآخر ثبت عنده كذا، وهذا رجح كذا والآخر رجح كذا، وهذا فهم منه كذا، والآخر فهمه كذا. علي بن سالم الرواحي