هلال اللواتي:
إنّ للتدخل في شؤون الآخرين صوراً عديدة، وكلها غير صحيحة، وغير مقبولة، وتنم بعضها عن السقوط الأخلاقي لدى صاحبها، والأخرى عن عدم اتزان الشخصية، والثالثة عن ضعف الشخصية، والرابعة عن دناءة نفس، وهناك بعض الحالات تستعد لتبرير عملها بعناوين تغالط فيها المبادئ، والأخطر منها ما إذا غُلفت بأغلفة دينية، فيستعمل الدين عندها لاسباغ الحجية ولربما القداسة وهذه الصورة أعظمها خطراً.
إن من صور التدخل في شؤون الآخرين تتبع الأخبار، ومعرفة المورد والمصدر، والاستعلام عن حال الزوجة والابناء لا لغرض سوى اشباع الفضول.
ومن صور التدخل في شؤون الآخرين التحاور مع المقابل بغية انتزاع بعض المعلومات لا لغرض عملي وظيفي، بمعنى أن ليس هناك أي غرض عقلي أو عقلائي يوجب معرفة بعض المعلومات من صاحب العلاقة، وإنما لأجل أغراض شخصية، وأهداف خاصة.
ومن صور التدخل في شؤون الآخرين البحث عن الحياة الشخصية للمقابل، وعن علاقاته وصداقاته وتواصلاته.
ومن صور التدخل في شؤون الآخرين أنك تشاهد البعض يدخل إلى بيت المقابل والدخول إلى الغرف، وفحص أغراض الناس.
ومن صور التدخل في شؤون الآخرين تفتيش أجهزة هواتفهم، والحواسيب، والجيوب، ونتوقف هنا قليلاً عند ما يحدث بين الزوجين، فإن هناك من يظن أن الزوجة تصبح ملك الزوج، وهناك من يظن بما أن الشرع المقدس أعطى للزوج حق الاستئذان منه إذا ما أرادت الزوجة الخروج من الدار فإن هذا يعني أن له الولاية المطلقة على الزوجة، فمن جملة ما يظن بعض الأزواج أن لهم حق التجسس على الزوجة، وحق التفتيش، وحق الامتلاك لأموالها، فإن هذا الأمر غير مشمول في ذلك الحكم الشرعي، بل ونجد الفقهاء مختلفون في هذه المسألة، لهذا الاحتياط بالذات في شؤون الآخرين أمر مهم جداً، وينبغي على الرجل مراعاة حقوق الزوجة كي لا يعد ممن يتدخل في شؤون الآخرين.
وبالمقابل نجد الزوجة قد تتجاوز بعض حدود الحقوق والواجبات المناطة بها تجاه زوجها، فتقوم هي بالتجسس عليه، وتفتيشه، وتتبع أخباره، فهذا أيضاً مما يشمله عنوان التدخل في شؤون الغير، فضلاً عن احتمال ترتب إثم لتحقق عنوان المعصية.
ومن صور التدخل في شؤون الآخرين أنك تشاهد بعض الارحام وهم يدخلون في شؤون أرحامهم بحجة شرعية وهي: صلة الرحم، من غير مراعاة جوانب أخرى مما تسبب قطيعة شرعية، وهذا إنما يحدث لجهل مركب، فإن تحقق عنوان صلة الرحم راجع إلى مراعاة مجموعة من العناوين مركبة من الشرع والعرف والعقل، كما أن تحقيق عنوان صلة الرحم غير مشروط بالزيارة أو بالاتصال الهاتفي، بل له صور كثيرة، والعقل والحكيم يبحث عن تلكم الصور التي لا توقعه في أزمات وفتن اجتماعية.
إذن .. نلاحظ أن هناك صوراً عديدة من الحياة الاجتماعية والتي تكون مصداقاً ومفردة للتدخل في شؤون الآخرين، وعلى الإنسان أن يرفع من مستوى نضجه ووعيه، فقد يوقع نفسه فيما موارد غير محبذة، بل ولربما يعرض نفسه إلى الذم من قبل العقلاء والأعراف العقلائي بالمجتمع.
ختاماً فإن من أهم ما يضمن نجاح الفرد في حياته الاجتماعية بالمجتمعات هو: التوسل الحقيقي بالله تعالى، لأنه هو من يعلم بالخيارات الفكرية والسلوكية التي يحتاجها الإنسان لتكون خطواته سليمة، صحيحة، وغير معرضة للنقد والذم، فقد ترد في أذهاننا الكثير من الأفكار والخيارات، إلا أنها ليس بالضرورة أن تكون ملاءمة للواقع والموقف زمانا ومكانا ونوعاً، وهنا يكون التوسل إلى الله تعالى من أهم الروافد للتوفيق في عالم الخيارات السلوكية.